" صفحة رقم ٢١٧ "
ووجه الامتنان بالفلك أنه امتنان بما ركَّب الله في الإِنسان من التدبير والذكاء الذي توصل به إلى المخترعات النافعة بحسب مختلف العصور والأجيال، كما تقدم في سورة البقرة عند قوله تعالى :( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ( الآيات، وبيّنا هنالك أن العرب كانوا يركبون البحر الأحمر في التجارة ويركبون الأنهار أيضاً قال النابغة يصف الفرات :
يظل من خوفه الملاح معتصماً
بالخيزرانة بعد الأيْن والنجَد
والجمع بين السفر بالإِبل والسفر بالفلك جمع لطيف، فإن الإِبل سفائن البر، وقديماً سموها بذلك، قاله الزمخشري في تفسير سورة المؤمنين.
وإنما قال :( وَعلَى الفُلْكِ ( ولم يقل : وفي الفلك، كما قال :( فإذا ركبوا في الفلك ( ( العنكبوت : ٦٥ ) لمزاوجة والمشاكلة مع ) وعليها، ( وإنما أعيد حرف ( على ) في الفلك لأنها هي المقصودة بالذكر وكان ذكر ) وعليها ( كالتوطئة لها فجاءت على مثالها.
وتقديم المجرورات في قوله :( وَمِنْهَا تأكُلُون ( وقوله :( وَعَلَيها وعَلَى الفُلْكِ ( لرعاية على الفاصلة مع الاهتمام بما هو المقصود في السياق. وتقديم ) لكم ( على ) الأنعام ( مع أن المفعول أشد اتصالاً بفعله من المجرور لقصد الاهتمام بالمنعَم عليهم.
وأما تقديم المجرورين في قوله :( وَلَكُمْ فِيهَا مَنافِعُ ( فللاهتمام بالمنعم عليهم والمنعم بها لأنه الغرض الأول من قوله :( الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعامَ ).
عطف على جملة ) لَكُمُ الأنْعامَ ( ( غافر : ٧٩ ) أي الله الذي يريكم آياته. وهذا انتقال من متعدد الامتنان بما تقدم من قوله :( الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الليْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ( ( غافر : ٦١ )، ) الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً ( غافر : ٦٤ )، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ ( ( غافر : ٦٧ )، ) الله الَّذِي جَعَلَ لَكمُ الأنْعامَ ( غافر : ٧٩ )، فإن تلك ذكرت في معرض الامتنان تذكيراً


الصفحة التالية
Icon