" صفحة رقم ٢٢٢ "
تكذيبهم واستهزَاؤهم إلى أن رَأوا بأسنا فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده.
والبَأْس : الشدة في المكروه، وهو جامع لأصناف العذاب كقوله تعالى :( فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ( الأنعام : ٤٢، ٤٣ ) فذلك البأس بمعنى البَأساء، ألا ترى إلى قوله : تضرعوا وهو هنا يقول : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ( فالبأس هنا العذاب الخارق للعادة المنذِرُ بالفناء فإنهم لما رأوه علموا أنه العذاب الذي أُنذروه. وفرّع عليه قوله :( فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم إيْمانُهُم لَمَّا رَأَوا بَأْسَنا (، أي حين شاهدوا العذاب لم ينفعهم الإِيمان لأن الله لا يقبل الإِيمان عند نزول عذابه.
وعُدل عن أن يقال : فلم ينفعهم، إلى قوله :( فَلَم يَكُ يَنفَعُهُم ( لدلالة فعل الكون على أن خبره مقررُ الثبوتتِ لاسمه، فلما أريد نفي ثبوت النفع إياهم بعد فوات وقته اجتلب لذلك نفي فعل الكون الذي خبره ) ينفعهم ). والمعنى أن الإِيمان بعد رؤية بوارق العذاب لا يفيد صاحبه مثل الإِيمان عند الغَرْغرة ومثل الإِيمان عند طلوع الشمس من مغربها كما جاء في الحديث الصحيح وسيأتي بيان هذا عَقبه.
انتصب ) سُنَّتَ الله ( على النيابة عن المفعول المطلق لأن ) سنت ( اسم مصدر السَّنِّ، وهو آتتٍ بدلاً من فعله، والتقدير : سَنَّ الله ذلك سُنَّةً، فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مَن يسأل لماذا لم ينفعهم الإِيمان وقد آمنوا، فالجواب أن ذلك تقدير قدّره الله للأمم السالفة أعلمهم به وشَرَطه عليهم فهي قَديمة في عباده لا ينفع الكافر الإِيمان إلا قبل ظهور البأس ولم يستثن من ذلك إلا قوم يونس قال تعالى :( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ( يونس : ٩٨ ).


الصفحة التالية
Icon