" صفحة رقم ٢٤٤ "
ووصفُ الرواسي ب ) مِن فَوْقِهَا ( لاستحضار الصورة الرائعة لمناظر الجبال، فمنها الجميل المنظر المجلّل بالخضرة أو المكسوّ بالثلوج، ومنها الرهيب المرأى مثل جبال النار ( البراكين )، والجبال المعدنية السود.
و ) بارك فيها ( جعل فيها البَرَكة. والبَرَكة : الخير النافع، وفي الأرض خيرات كثيرة فيها رزق الإنسان وماشيتِه، وفيها التراب والحجارة والمعادن، وكلها بركات. و ) قدَّر ( جعل قَدْراً، أي مقداراً، قال تعالى :( قد جعل اللَّه لكل شيء قدراً ( ( الطلاق : ٣ ). والمقدار : النصاب المحدود بالنوع أو بالكمية، فمعنى ) قدر فيها أقواتها ( أنه خلق في الأرض القُوى التي تنشأ منها الأقوات وخلق أصول أجناس الأقوات وأنواعها من الحَبّ للحبوب، والكَلأ والكمْأة، والنَّوى للثمار، والحرارةِ التي يَتأثر بها تولد الحيوان من الدواب والطير، وما يتولد منه الحيتان ودَوابّ البحار والأنهار.
ومن التقدير : تقدير كل نوع بما يصلح له من الأوقات من حر أو برد أو اعتدال. وأشار إلى ذلك قوله :( واللَّه أنبتكم من الأرض نباتاً ( ( نوح : ١٧ ) ويأتي القول فيه، وقوله :( وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر ( ( النحل : ٨١ ) وقوله :( وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً ( ( النحل : ٨٠ ) الآية.
وجمع الأقوات مضافاً إلى ضمير الأرض يفيد العموم، أي جميع أقواتها وعمومُه باعتبار تعدد المقتاتين، فللدواب أقوات، وللطير أقوات، وللوحوش أقوات، وللزواحف أقوات، وللحشرات أقوات، وجُعل للإنسان جميع تلك الأقوات مما استطاب منها كما أفاده قوله تعالى :( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ( ومضى الكلام عليه في سورة البقرة.
وقوله :( فِي أرْبَعَةِ أيَّامٍ ( فذلكة لمجموع مدة خلق الأرض جِرمِها، وما عليها من رواسي، وما فيها من القوى، فدخل في هذه الأربعة الأيام اليوماننِ اللذان في قوله :( فِي يَوْمَيْنِ ( ( فصلت : ٩ ) فكأنه قيل : في يَومين آخرين فتلك أربعة أيام، فقوله في ) أرْبَعَة أيام ( فذلكة، وعدل عن ذلك إلى ما في نسج الآية لقصد الإِيجاز


الصفحة التالية
Icon