" صفحة رقم ٢٤٨ "
وأما قوله :( قالتا أتينا طائعين ( فيجوز أن يكون قول السماء والأرض مستعاراً لدلالة سرعة تكونهما لشبههما بسرعة امتثال المأمور المطيع عن طواعية فإنه لا يتردد ولا يتلكَّأ على طريقة المكنية والتخييل من باب قول الراجز الذي لا يعرف تعيينه :
امتَلأَ الحَوْضُ وقال قَطْنِي
وهو كثير، ويجوز أن يكون تمثيلاً لهيئة تكوّن السماء والأرض عند تعلق قدرة الله تعالى بتكوينهما بهيئة المأمور بعمل تقَبله سريعاً عن طواعية. وهما اعتباران متقاربان، إلا أن القول، والإِتيان، والطوع، على الاعتبار الأول تكون مجازات، وعلى الاعتبار الثاني تكون حقائق وإنما المجاز في التركيب على ما هو معلوم من الفرق بين المجاز المفرد والمجاز المركب في فن البيان.
وإنما جاء قوله :( طَآئِعِينَ ( بصيغة الجمع لأن لفظ السماء يشتمل على سبع سماوات كما قال تعالى إثر هذا ) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَمَواتٍ ( ( فصلت : ١٢ ) فالامتثالُ صادر عن جَمع، وأما كونه بصيغة جمع المذكر فلأنَّ السماء والأرضَ ليس لهما تأنيث حقيقي.
وأما كونه بصيغة جمع العقلاء فذلك ترشيح للمكنية المتقدمة مثل قوله تعالى :( إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ( ( يوسف : ٤ ).
تفريع على قوله :( فَقَالَ لَهَا وللأرْضضِ ائْتِيَا ( ( فصلت : ١١ ).
والقضاء : الإِيجاد الإِبداعي لأن فيه معنى الإِتمام والحكم، فهو يقتضي الابتكار والإِسراع، كقول أبي ذؤيب الهذلي :
وعليهما مسرودتان قَضاهما
دَاود أو صَنَعُ السوابغغِ تُبَّعُ
وضَمير ) فقضاهن ( عائد إلى السماوات على اعتبار تأنيث لفظها، وهذا تفنن.


الصفحة التالية
Icon