" صفحة رقم ٢٥٢ "
والتقدير : وضْع الشيء على مقدار معيَّن، وتقدم نظيره في سورة يَس. وتقدم وجهُ إيثار وصفي ) العَزِيزِ العَلِيمِ ( بالذكر.
( ١٣، ١٤ ) )
بعد أن قَرَعتهم الحجة التي لا تترك للشك مسرباً إلى النفوس بعدها في أَن الله منفرد بالإِلهية لأنه منفرد بإيجاد العوالم كلها. وكان ثبوت الوحدانية من شأنه أن يزيل الريبة في أن القرآن منزَّل من عند الله لأنهم ما كفروا به إلا لأجل إعلانه بنفي الشريك عن الله تعالى، فلما استبان ذلك كان الشأن أن يفيئوا إلى تصديق الرسول والإِيماننِ بالقرآن، وأن يقلعوا عن إعراضهم المحكي عنهم بقوله في أول السورة ) فأعرض أكْثَرُهُم فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ( ( فصلت : ٤ ) الخ، فلذلك جعل استمرارهم على الإِعراض بعد تلك الحجج أمراً مفروضاً كما يُفْرَض المُحال، فجيء في جانبه بحرف ( إنْ ) الذي الأصل فيه أن يقع في الموقع الذي لا جزم فيه بحصول الشرط كقوله تعالى :( أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين ( ( الزخرف : ٥ ) في قراءة من قرأ بكسر همزة ( إنْ ).
فمعنى ) فَإنْ أعْرَضُوا ( إن استمروا على إعراضهم بعد ما هديتهم بالدلائل البينة وكابروا فيها، فالفعل مستعمل في معنى الاستمرار كقوله :( ياأيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ).
والإِنذار : التخويف، وهو هنا تخويف بتوقع عقاب مثل عقاب الذين شابهوهم في الإِعراض خشيةَ أن يحلّ بهم ما حل بأولئك، بناء على أن المعروف أن تجري أفعال الله على سَنن واحد، وليس هو وعيداً لأن قريشاً لم تصبهم صاعقة مثلُ صاعقة عاد وثمود، وإن كانوا قد ساوَوْهما في التكذيب والإِعراض عن الرسل وفي التعللات التي تعللوا بها من قولهم :( لو شاء الله لأنزل ملائكة ( المؤمنون : ٢٤ ) وأمهل الله قريشاً حتى آمن كثير منهم واستأصل كفارهم بعذاب خاص.


الصفحة التالية
Icon