" صفحة رقم ٢٥٧ "
وجملة ) أوَلَم يَرَوا أنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنْهُم قُوَّةً ( جملة معترضة، والواو اعتراضية. والرؤية علمية، والاستفهام إنكاري، والمعنى : إنكار عدم علمهم بأن الله أشد منهم قوة حيث أعرضوا عن رسالة رسول ربهم وعن إنذاره إياهم إعراضَ من لا يكترث بعظمة الله تعالى لأنهم لو حسبوا لذلك حسابه لتوقعوا عذابَه فَلأَقْبلوا على النظر في دلائل صدق رسولهم. وإجراءُ وصف ) الَّذِي خَلَقَهُمْ ( على اسم الجلالة لما في الصلة من الإِيماء إلى وجه الإِنكار عليهم لجهلهم بأن الله أقوى منهم فإن كونهم مخلوقين معلوم لهم بالضرورة، فكان العلم به كافياً في الدلالة على أنه أشدّ منهم قوة، وأنه حقيق بأن يحسبوا لغضبه حسابه فينظروا في أدلة صدق رسوله إليهم.
وضمير ) هُوَ أشَدُّ مِنْهُم ( ضمير فصل، وهو مفيد تقوية الحكم بمعنى وضوحه، وإذا كان ذلك الحكم محققاً كان عدم علمهم بمقتضاه أشنع وعذرهم في جهله منتفياً.
والقوة حقيقتها : حالة في الجسم يتأتّى بها أن يعمل الأعمال الشاقة، وتطلق على لازم ذلك من القدرة ووسائل الأعمال، وقد تقدم بيان إطلاقها في قوله تعالى :( فخذها بقوة ( في سورة الأعراف، والمراد بها هنا معناها الحقيقي والكنائي والمجازي، فهو مستعمل في حقيقته تصريحاً وكنايةً، ومجازِه لما عندهم من وسائل تذليل صعَاب الأمور لقوة أجسامهم وقوة عقولهم. والعرب تضرب المثل بِعَادٍ في أصالة آرائهم فيقولون : أحلام عاد، قال النابغة :
أَحلامُ عادٍ وأجسامٌ مطهرة
من المَعَقَّةِ والآفاتتِ والإِثَمِ
ويقولون في وصف الأشياء التي يقل صنع أمثالها : عاديَّة يقولون : بئر عاديَّة، وبناءٌ عَاديّ.
ولما كانت القوّة تستلزم سعة القدرة أسند القوة إلى الله تعالى بمعنى أن قدرته تعالى لا يستعصي عليها شيء تتعلق به إرادته تعالى، وهذا المراد هنا في قوله :( أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أشَدُّ مِنهم قُوَّةً ( أي هو أوسع قدرة من قدرتهم فإطلاق القوة


الصفحة التالية
Icon