" صفحة رقم ٢٦٢ "
بقية التفصيل الذي في قوله :( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا ( ( فصلت : ١٥ ).
ولما كان حال الأمتين واحداً في عدم قبول الإرشاد من جانب الله تعالى كما أشار إليه قوله تعالى :( لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنْزَلَ مَلائِكَةً ( ( فصلت : ١٤ ) كان الإِخبار عن ثمود بأن الله هَداهم مقتضياً أنه هدَى عاداً مثل ما هدى ثمود وأن عاداً استحبوا العَمى على الهدى مثل ما استحبت ثمود. والمعنى : وأما ثمودُ فهديناهم هداية إرشاد برسولنا إليهم وتأييده بآية الناقة التي أخرجها لهم من الأرض.
فالمراد بالهداية هنا : الإرشاد التكليفي، وهي غير ما في قوله :( ومن يهد اللَّه فما له من مضل ( ( الزمر : ٣٧ ) فإن تلك الهداية التكوينية لمقابلته بقوله :( وَمَن يُضْلِللِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ( ( غافر : ٣٣ ).
واستحبوا العمى معناه : أحبّوا، فالسين والتاء للمبالغة مثلهما في قوله :( فاستكْبُروا في الأرضضِ بغيرِ الحَقِّ ( ( فصلت : ١٥ )، أي كان العمى محبوباً لهم. والعمى : هنا مستعار للضلال في الرأي، أي اختاروا الضلال بكسبهم. وضُمن ( استحبوا ) معنى : فَضَّلوا، وَهَيَّأ لهذا التضمين اقترانُه بالسين والتاء للمبالغة لأن المبالغة في المحبة تستلزم التفضيل على بقية المحبوبات فلذلك عدّي ( استحبوا ) بحرف ) على (، أي رجحوا باختيارهم. وتعليق ) عَلَى الهُدَى ( بفعل ( استحبوا ) لتضمينه معنى : فضّلوا وآثروا.
وفُرع عليه ) فَأَخَذَتْهُم صاعِقَةُ العَذَاببِ الهُونِ (، وكان العقاب مناسباً للجُرم لأنهم استحبوا الضلال الذي هو مثل العمى، فمن يستحبه فشأنه أن يحب العمى، فكان جزاؤهم بالصاعقة لأنها تُعمِي أبصارهم في حين تهلكهم قال تعالى :( يكاد البرق يخطف أبصارهم ( ( البقرة : ٢٠ ).


الصفحة التالية
Icon