" صفحة رقم ٢٧٥ "
تقارن بعضهم مع بعض لتناسب أفكار الدعاةِ والقابلين كما يقول الحُكماء ( استفادة القابل من المبدإ تتوقف على المناسبة بينهما ). فالتقييض بمعنى التقدير عبارة جامعة لمختلف المؤثرات والتجمعات التي توجب التآلف والتحابّ بين الجماعات، ولمختلف الطبائع المكوَّنَةِ في نفوس بعض الناس فيقتضي بعضها جاذبيةَ الشياطين إليها وحدوثَ الخواطر السيئة فيها. وللإِحاطة بهذا المقصود أُوثر التعبير هنا ب ) قيضنا ( دون غيره من نحو : بَعثنا، وأرسلنا.
والتزيين : التحسين، وهو يشعر بأن المزيَّن غير حسن في ذاته. و ) مَّا بَيْنَ أيْدِيهِم ( يستعار للأمور المشاهدة، وما خلفهم يستعار للأمور المغيبة.
والمراد ب ) مَّا بَيْنَ أيْدِيهِم ( أمور الدنيا، أي زينوا لهم ما يعملونه في الدنيا من الفساد مثل عبادة الأصنام، وقتل النفس بلا حق، وأكل الأموال، والعدول على الناس باليد واللسان، والميسر، وارتكاب الفواحش، والوأد. فعوّدوهم باستحسان ذلك كله لما فيه من موافقة الشهوات والرغبات العارضة القصيرة المدى، وصرفوهم عن النظر فيما يحيط بأفعالهم تلك من المفاسد الذاتية الدائمة.
والمراد ب ) ما خلفهم ( الأمور المغيبة عن الحس من صفات الله، وأمور الآخرة من البعث والجزاء مثل الشرك بالله ونسبة الولد إليه، وظنهم أنه يخفى عليه مستور أعمالهم، وإحالتهم بعثة الرسل، وإحالتهم البعث والجزاء. ومعنى تزيينهم هذا لهم تلقينهم تلك العقائد بالأدلة السفسطائية مثل قياس الغائب على الشاهد، ونفي الحقائق التي لا تدخل تحت المدركات الحسية كقولهم :( أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون ( ( الصافات : ١٦، ١٧ ).
و ) حق عليهم ( أي تحقق فيهم القول وهو وعيد الله إياهم بالنار على الكفر، فالتعريف في ) القَوْل ( للعهد. وفي هذا العهد إجمال لأنه وإن كان قد ورد في القرآن ما يُعهد منه هذا القول مثل قوله :( أفمن حق عليه كلمة العذاب ( ( الزمر : ١٩ ) وقوله :( فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون ( ( الصافات : ٣١ )، فإنه يمكن أن لا تكون الآيات المذكورة قد سبقت هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon