" صفحة رقم ٢٨٤ "
ويستمر كذلك فاصلاً بين الجبريّ والقدَريّ، وبين الرجاء والقنوط، وفي الأعمال بين الغلوّ والتفريط.
وتنزُّلُ الملائكة على المؤمنين يحتمل أن يكون في وقت الحشر كما دل عليه قولهم :( الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ (، وكما يقتضيه كلامهم لهم لأن ظاهر الخطاب أنه حقيقة، فذلك مقابل قوله :( ويَوْمَ نَحْشُر أعْدَاء الله إلَى النَّارِ فَهُم يُوزَعُونَ ( ( فصلت : ١٩ )، فأولئك تلاقيهم الملائكة بالوزع، والمؤمنون تتنزل عليهم الملائكة بالأمن. وذِكر التنزل هنا للتنويه بشأن المؤمنين أن الملائكة ينزلون من علوياتهم لأجلهم فأما أعداء الله فهم يجدون الملائكة حُضَّراً في المحشر يَزَعُونهم وليسوا يتنزلون لأجلهم فثبت للمؤمنين بهذا كرامة ككرامة الأنبياء والمرسلين إذ يُنزّل الله عليهم الملائكة. والمعنى : أنه يتنزل على كل مؤمن مَلَكان هما الحافظان اللذان كانا يكتبان أعماله في الدنيا. ولتضمن ) تَتَنَزَّلُ ( معنى القول وردت بعده ( أنْ ) التفسيرية والتقدير : يقولون لا تخافوا ولا تحزنوا. ويجوز أن يكون تنزل الملائكة عليهم في الدنيا، وهو تنزل خفيّ يعرف بحصول آثاره في نفوس المؤمنين ويكون الخطاب ب ) لا تخافوا ولا تحزنوا ( بمعنى إلقائهم في رُوعهم عكس وسوسة الشياطين القرناء بالتزيين، أي يُلقون في أنفس المؤمنين ما يصرفهم عن الخوف والحزن ويذكرهم بالجنة فتحِل فيهم السكينة فتنشرح صدورهم بالثقة بحلولها، ويلقُون في نفوسهم نَبذ ولاية من ليسوا من حزب الله، فذلك مقابل قوله :( وَقَيَّضْنا لَهُم قُرَنَآءَ ( ( فصلت : ٢٥ ) الآية فإنه تقييض في الدنيا. وهذا يقتضي أن المؤمنين الكاملين لا يخافون غير الله، ولا يحزنون على ما يصيبهم، ويوقنون أن كل شيء بقدر، وهم فرحون بما يترقبون من فضل الله.
وعلى هذا المعنى فقوله :( الَّتِي كُنتُم ( تُعتبرُ ( كان ) فيه مزيدة للتأكيد، ويكون المضارع في ) تُوعَدُونَ ( على أصل استعماله للحال والاستقبال، ويكون قولهم :( نَحنُ أولِياؤكُم فِي الحياةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة ( تأييداً لهم في الدنيا ووعداً بنفعهم في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon