" صفحة رقم ٢٨٩ "
الكافرين. ومثال هذا ما وقع يوم أحد حين صَاح أبو سفيان : اعْلُ هُبَلْ، فقال النبي ( ﷺ ) قولوا :( الله أعلى وأجلّ ) فقال أبو سفيان : لنا العُزى ولا عُزى لكم، فقال النبي ( ﷺ ) ( قولوا الله مولانا ولا مولى لكم ). وإنما لم يذكر نظير هذا القول في الصلة المشيرة إلى سبب تنزّل الملائكة على المؤمنين بالكرامة وهي ) الذِينَ قَالُوا رَبُّنا الله ثُمَّ استَقامُوا ( ( فصلت : ٣٠ ) لأن المقصود من ذكرها هنا الثناء عليهم بتفاخرهم على المشركين بعزة الإِسلام، وذلك من آثار تلك الصلة فلا حاجة إلى ذكره هنالك بخلاف موقعه هنا.
وفي هذه الآية منزع عظيم لفضيلة علماء الدين الذين بينوا السنن ووضحوا أحكام الشريعة واجتهدوا في التوصل إلى مراد الله تعالى من دينه ومن خَلْقه. وفيها أيضاً منزع لطيف لتأييد قول الماتريدي وطائفة من علماء القيروان وعلى رأسهم مُحمد بن سُحنون : أن المسلم يقول : أَنا مؤمن ولا يقول إن شاء الله خلافاً لقول الأشعري وطائفة من علماء القيروان وعلى رأسهم محمد بن عَبدوس فنُقل أنه كان يقول : أنا مؤمن إن شاء الله. وقد تطاير شرر هذا الخلاف بين علماء القيروان مدة قرن. والحق إنه خلاف لفظي كما بينه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد ونقله عياض في ( المدارك ) ووافقه. وذكرنا المسألة مفصلة عند قوله تعالى :( وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء اللَّه ربنا ( في سورة الأعراف وبذلك فلا حجة في هذه الآية لأحد الفريقين وإنما الحجة في آية سورة الأعراف على الماتريدي ومحمد بن سحنون. والقول في قوله :( وقَالَ إنَّني مِنَ المُسْلِمين ( كالقول في ) إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنا الله ( فصلت : ٣٠ ).
عَطْفُ هذه الجملة له موقع عجيب، فإنه يجوز أن يكون عطفاً على جملة ) وَمَن أحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إلى الله ( ( فصلت : ٣٣ ) الخ تكملة لها فإن المعطوف عليها تضمنت


الصفحة التالية
Icon