" صفحة رقم ٣١٦ "
ويجوز أن تكون الجملة خبراً ثانياً عن ضمير الذكر، أي القرآن، فتكونَ من مقول القول وكذلك جملة ) وَهُوَ عَليهِمْ عَمًى ).
والإِخبار عنهُ ب ) وَقْرٌ ( و ) عَمًى ( تشبيه بليغ ووجه الشبه هو عدم الانتفاع به مع سماع ألفاظه، والوقر : داء فمقابلته بالشفاء من محسِّن الطِّباق.
وضمير ) وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ( يتبادر أنه عائد إلى الذِّكر أو الكتاب كما عاد ضمير ) هو ( ) لِلَّذِينَ ءَامَنُوا هُدًى ). والعَمى : عدم البصر، وهو مستعار هنا لضد الاهتداء فمقابلته بالهدى فيها محسِّن الطِّباق.
والإِسناد إلى القرآن على هذا الوجه في معاد الضمير بأنه عليهم عمًى من الإِسناد المجازي لأن عنادهم في قبوله كان سبباً لضلالهم فكان القرآن سَبَبَ سبببٍ، كقوله تعالى :( وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم ( ( التوبة : ١٢٥ ).
ويجوز أن يكون ضمير ) وَهُوَ ( ضميرَ شأن تنبيهاً على فظاعة ضلالهم. وجملة ) عَلَيهم عَمًى ( خبر ضميرَ الشأن، أي وأعظم من الوقر أن عليهم عمى، أي على أبصارهم عمى كقوله :( وعلى أبصارهم غشاوة ( ( البقرة : ٧ ).
وإنما علق العمى بالكون على ذواتهم لأنه لما كان عمى مجازياً تعين أن مصيبَته على أنفسهم كلها لا على أبصارهم خاصة فإن عمى البصائر أشدّ ضراً من عمى الأبصار كقوله تعالى :( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمَى القلوب التي في الصدور ( ( الحج : ٤٦ ).
وجملة ) أُولائِكَ يُنَادونَ مِن مَكاننٍ بَعِيدٍ ( خبر ثالث عن ) الذين لا يؤمنون ). والكلام تمثيل لحال إعراضهم عن الدعوة عند سماعها بحال من يُنادَى من مكان بعيد لا يبلغ إليه في مثله صوت المنادي على نحو قوله تعالى :( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ( كما تقدم في سورة البقرة. وتقول العرب لمن لا يفهم : أنت تُنادَى من مكان بعيد. والإِشارة ب ) أُولائِكَ ( إلى ) الذين لا يؤمنون ( لقصد التنبيه على أن المشار


الصفحة التالية
Icon