" صفحة رقم ٨٤ "
حقيقةِ بابه، أي موجهاً إلى من يتوقع منه الغرور، ومثله كثير في كلامهم، قال كعب بن زهير :
فلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ وما وعدت
إِنَّ الأَمَانِيَّ والأَحلامَ تضليل
ويجوز أن يكون الخطاب موجهاً للنبيء ( ﷺ ) على أن تكون صيغة النهي تمثيلية بتمثيل حال النبي ( ﷺ ) في استبطائه عقاب الكافرين بحال من غرّهُ تقلبهم في البلاد سالمين، كقوله تعالى :( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ( ( الحجر : ٣ ).
والمعنى : لا يوهمنك تناولهم مختلف النعماء واللذات في حياتهم أننا غير مؤاخذينهم على جدالِهم في آياتنا، أو لا يوهمنك ذلك أننا لا نعلم ما هم عليه فلم نؤاخذهم به تنزيلاً للعالم منزلة الجاهل في شدة حزن الرسول ( ﷺ ) على دوام كفرهم ومعاودةِ أذاهم كقوله :( ولا تحسبن اللَّه غافلاً عما يعمل الظالمون ( ( إبراهيم : ٤٢ )، وفي معنى هذه قوله تعالى :( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ( وتقدمت في آل عمران ( ١٩٦، ١٩٧ ).
جملة ) كَذَّبَتْ قَبْلَهم قَوْم نُوحٍ ( وما بعدها بيان لجملة ) فلا يغرُرك تقلُّبهم في البلد ( ( غافر : ٤ ) باعتبار التفريع الواقع عقب هاته الجمل من قوله :( فأخذتهم فكيف كانَ عِقَاب (، فالمعنى : سبقتهم أمم بتكذيب الرسل كما كذبوك وجادلوا بالباطل رسلهم كما جادلك هؤلاء فأخذتهم فكيف رأيت عقابي إياهم كذلك مثل هؤلاء في إمهالهم إلى أن آخذهم.
والأحزاب : جمع حِزب بكسر الحاء وسكون الزاي وهو اسم للجماعة الذين هم سواء في شأن : من اعتقادٍ أو عمل أو عادةٍ. والمراد بهم هنا الأمم الذين


الصفحة التالية
Icon