" صفحة رقم ٩٣ "
والمعنى دعاء بأن يجعلهم الله معهم في مساكن متقاربة، كما تقدم في قوله تعالى :( هم وأزواجهم في ظلال ( في سورة يس، وقوله :( ألحقنا بهم ذرياتهم ( في سورة الطور.
ورُتبت القرابات في هذه الآية على ترتيبها الطبيعي فإن الآباء أسبق علاقة بالأبناء ثم الأزواجُ ثم الذريات.
وجملة ) إنَّك أنت العَزِيز الحَكِيم ( اعتراض بين الدعوات استقصاء للرغبة في الإِجابة بداعي محبة الملائكة لأهل الصلاح لما بين نفوسهم والنفوس الملكية من التناسب. واقتران هذه الجملة بحرف التأكيد للاهتمام بها. و ( إنَّ ) في مثل هذا المقام تُغني غَناء فاء السببية، أي فعزتُك وحكمتك هما اللتان جَرَّأَتَانَا على سؤال ذلك من جلالك، فالعزة تقتضي الاستغناء عن الانتفاع بالأشياء النفيسة فلما وَعد الصالحين الجنة لم يكن لله ما يضنه بذلك فلا يصدر منه مطل، والحكمةُ تقتضي معاملة المحسن بالإِحسان.
وأعقبوا بسؤال النجاة من العذاب والنعيم بدار الثواب بدعاء بالسلامة من عموم كل ما يسوءهم يوم القيامة بقولهم :( وَقِهِم السيئات ( وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله :( فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا ( ( غافر : ٤٥ ) وقوله تعالى :( وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ( ( الأعراف : ١٣١ ) صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل، فالمعنى : وقِهِمْ من كل ما يسوءهم.
فالتعريف في ) السَّيّئَاتِ ( للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي كقول الحريري :
يا أهلَ ذا المغنى وُقيتم ضُرا