" صفحة رقم ٩٦ "
ومعنى مقت الله : بغضه إياهم وهو مجاز مرسل أطلق على المعاملة بآثار البغض من التحقير والعقاب فهو أقرب إلى حقيقة البغض لأن المراد به أثره وهو المعاملة بالنكال، وهو شائع شيوع نظائره مما يضاف إلى الله مما تستحيل حقيقته عليه، وهذا الخبر مستعمل في التوبيخ والتنديم.
و ) أكبر ( بمعنى أشد وأخطر أثَراً، فإطلاق الكِبَر عليه مجاز لأن الكبر من أوصاف الأجسام لكنه شاع إطلاقه على القوة في المعاني. ولما كان مقتهم أنفسهم حَرَمهم من الإِيمان الذي هو سبب النجاة والصلاح وكان غضب الله عليهم أوقعهم في العذاب كان مقت الله إياهم أشدّ وأنكى من مقتهم أنفسهم لأن شدة الإِيلام أقوى من الحرمان من الخير. والمقت الأول قريب من قوله :( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم ( ( البقرة : ١٦ )، والمقت الثاني قريب من قوله تعالى :( ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلاّ مقتاً ( ( فاطر : ٣٩ ) وهو مقت العذاب. هذا هو الوجه في تفسير الآية الملاقي لتناسق نظمها، وللمفسرين فيها وجوه أخر تدنو وتبعد مما ذكرنا فاستعرِضْها واحكم فيها.
و ) أنفسكم ( يتنازعه ) مقتُ الله، ( و ) مقتِكم ( فهو مفعول المصدرين المضافين إلى فاعلَيهما.
وبني فعل ) تدعون ( إلى النائب للعلم بالفاعل لظهور أن الداعي هو الرسول ( ﷺ ) أو الرسل عليهم السلام. وتفريع ) فتكفرون ( بالفاء على ) تدعون ( يفيد أنهم أعقبوا الدعوة بالكفر، أي بتجديد كفرهم السابق وبإعلانه أي دون أن يتمهلوا مهلة النظر والتدبر فيما دُعوا إليه.


الصفحة التالية
Icon