" صفحة رقم ١٦٥ "
( ٦ ٨ )
لما ذكر إسرافهم في الإعراض عن الإصغاء لدعوة القرآن وأعقبه بكلام موجه إلى الرّسول ( ﷺ ) تسلية عما يلاقيه منهم في خلال الإعراض من الأذى والاستهزاء بتذكيره بأن حاله في ذلك حال الرّسل من قبله وسنةُ الله في الأمم، ووعد للرّسول ( ﷺ ) بالنصر على قومه بتذكيره بسنة الله في الأمم المكذّبة رسلَهم. وجعل للتسلية المقام الأول من هذا الكلام بقرينة العدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة في قوله :( فأهلكنا أشد منهم ( كما سيأتي، ويتضمن ذلك تعريضاً بزجرهم عن إسرافهم في الإعراض عن النظر في القرآن.
فجملة ) وكم أرسلنا من نبيء ( معطوفة على جملة ) إنا جعلناه قرآناً عربياً ( ( الزخرف : ٣ ) وما بعدها إلى هنا عطفَ القصة على القصة.
و ) كَم ( اسم دال على عدد كثير مُبهم، وموقع ) كم ( نصب بالمفعولية ل ) أرسلنا (، وهو ملتزَم تقديمه لأن أصله اسم استفهام فنقل من الاستفهام إلى الإخبار على سبيل الكناية.
وشاع استعماله في ذلك حتى صار الإخبار بالكثرة معنى من معاني ) كَم ). والداعي إلى اجتلاب اسم العدد الكثير أن كثرة وقوع هذا الحكم أدخلُ في زجرهم عن مثله وأدخل في تسلية الرّسول ( ﷺ ) وتحصيل صبره، لأن كثرة وقوعه تؤذن بأنه سنة لا تتخلف، وذلك أزجر وأسلى.
و ) الأولين ( جمع الأوَّل، وهو هنا مستعمل في معنى الماضين السابقين كقوله تعالى :( ولقد ضَلّ قبلهم أكثر الأوَّلين ( ( الصافات : ٧١ ) فإنّ الذين أهلكوا قد انقرضوا بقطع النظر عمن عسى أن يكون خَلَفَهم من الأمم.
والاستثناء في قوله :( إلا كانوا به يستهزئون ( استثناء من أحوال، أي ما يأتيهم


الصفحة التالية
Icon