" صفحة رقم ١٦٧ "
والبطش : الإضرار القويّ.
وانتصب ) بطشاً ( على التمييز لنسبة الأشدّيّة.
و ) مثل الأولين ( حالهم العجيبة. ومعنى ) مضى ( : انقرض، أي ذهبوا عن بكرة أبيهم، فمُضِيُّ المثَل كناية عن استئصالهم لأن مُضي الأحوال يكون بمضي أصحابها، فهو في معنى قوله تعالى :( فقُطع دابر القوم الذين ظلموا ( ( الأنعام : ٤٥ ). وذكر ) الأولين ( إظهار في مقام الإضمار لتقدم قوله :( في الأولين ). ووجه إظهاره أن يكون الإخبار عنهم صريحاً وجارياً مجرَى المثَل.
لما كان قوله :( وكم أرسلنا من نبيء في الأولين ( ( الزخرف : ٦ ) موجهاً إلى الرّسول ( ﷺ ) للتسلية والوعد بالنصر، عطف عليه خطاب الرّسول ( ﷺ ) صريحاً بقوله :( ولئن سألتهم ( الآية، لقصد التعجيب من حال الذين كذّبوه فإنهم إنما كذبوه لأنه دعاهم إلى عبادة إلاه واحد ونبْذِ عبادة الأصنام، ورأوا ذلك عجباً مع أنهم يقرّون لله تعالى بأنّهُ خالق العوالم وما فيها. وهل يستحق العبادةَ غيرُ خالق العابدين، ولأنّ الأصنام من جملة ما خلق الله في الأرض من حجارة، فلو سألهم الرّسول ( ﷺ ) في محاجّته إياهم عن خالق الخلق لما استطاعوا غير الإقرار بأنه الله تعالى.
فجملة ) ولئن سألتهم ( معطوفة على جملة ) وكم أرسلنا من نبيء في الأولين ( الزخرف : ٦ ) عطف الغرض، وهو انتقال إلى الاحتجاج على بطلان الإشراك بإقرارهم الضِمْنيّ : أن أصنامهم خالية عَن صفة استحقاققِ أنْ تُعبد. وتأكيد الكلام باللام الموطئة للقسم ولام الجواب ونون التوكيد لتحقيق أنهم يجيبون بذلك تنزيلاً لغير المتردد في الخبر منزلة المتردّد، وهذا التنزيل كناية عن جدارة حالتهم بالتعجيب من اختلال تفكيرهم وتناقض عقائدهم وإنّما فُرض الكشف عن عقيدتهم في صورة سؤالهم عن خالقهم للإشارة إلى أنهم غافلون عن ذلك في


الصفحة التالية
Icon