" صفحة رقم ١٧٠ "
جبالاً فيعسر على الماشين سلوكها، بل جعل فيها سبلاً سهلة وجعل جبالاً لحكمة أخرى ولأن الأرض صالحة لاتخاذ طرق مطروقة سابلة.
ومعنى جعْللِ الله تلك الطرق بهذا المعنى : أنه جعل للنّاس معرفة السير في الأرض واتباع بعضهم آثار بعض حتى تتعبد الطرق لهم وتتسهل ويعلم السائر، أي تلك السبل يوصلُه إلى مقصده.
وفي تيسير وسائل السير في الأرض لطف عظيم لأن به تيسير التجمع والتعارف واجتلاب المنافع والاستعانة على دفع الغوائل والأضرار والسيرُ في الأرض قريباً أو بعيداً من أكبر مظاهر المدنِيَّة الإنسانية، ولأن الله جعل في الأرض معايش النّاس من النبات والثمر وورق الشجر والكمأة والفقع وهي وسائل العيش فهي سبل مجازية. وتقدم نظير هذه الآية في سورة طه.
والاهتداء : مطاوع هداه فاهتدى. والهداية حقيقتها : الدلالة على المكان المقصود، ومنه سمي الدال على الطرائق هادياً، وتطلق على تعريف الحقائق المطلوبة ومنه ) إنّا أنزلنا التوراة فيها هُدىً ونورٌ ( ( المائدة : ٤٤ ). والمقصود هنا المعنى الثاني، أي رجاء حصول علمكم بوحدانية الله وبما يجب له، وتقدم في ) اهدنا الصراط المستقيم ( ( الفاتحة : ٦ ).
ومعنى الرجاء المستفاد من ( لعل ) استعارة تمثيلية تبعية، مُثِّل حال من كانت وسائل الشيء حاضرة لديه بحال من يُرجى لحصول المتوسل إليه.
انتقل من الاستدلال والامتنان بخلق الأرض إلى الاستدلال والامتنان بخلق وسائل العيش فيها، وهو ماء المطر الذي به تُنبت الأرض ما يصلح لاقتيات الناس.
وأعيد اسم الموصول للاهتمام بهذه الصلة اهتماماً يجعلها مستقلة فلا يخطر حضورها بالبال عند حظور الصلتين اللتين قبلها فلا جامع بينها وبينهما في الجامع


الصفحة التالية
Icon