" صفحة رقم ١٧٩ "
إبطال اتخاذ الله البناتتِ بدليلين، لأن إعطاءَهم البنين واقع فنفي اقترانه باتخاذه لنفسه البنات يقتضي انتفاء اتخاذه البنات فالمقصود اقتران الإنكار بهذا القيد. وبهذا يتضح أن الواو في جملة ) وأصفاكم ( ليست واو العطف لأن إنكار أن يكون أصفاهم بالبنين لا يقتضي نفي الأولاد الذكور عن الله تعالى. والخطابُ في ) وأصفاكم ( موجه إلى الذين جعلوا له من عباده جزءاً، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب ليكون الإنكار والتوبيخ أوقع عليهم لمواجهتهم به.
وتنكير ) بنات ( لأن التنكير هو الأصل في أسماء الأجناس. وأما تعريف ) البنين ( باللام فهو تعريف الجنس المتقدم في قوله :( الحمدُ لله ( في سورة الفاتحة. والمقصود منه هنا الإشارة إلى المعروف عندهم المتنافَس في وجوده لديهم وتقدم عند قوله ) يهب لمن يشاء إناثاً ويَهَب لمن يشاء الذّكور ( في سورة الشورى.
وتقديم ) البنات ( في الذكر على ) البنين ( لأن ذكرهن أهم هنا إذ هو الغرض المسوق له الكلام بخلاف مقام قوله :( أفأصفاكم ربّكم بالبنين واتخذ من الملائكة إِناثاً ( في سورة الإسراءِ. ولِمَا في التقديم من الردّ على المشركين في تحقيرهم البنات وتطيُّرِهم منهن مثل ما تقدم في سورة الشورى.
والإصفاء : إعطاء الصفوة، وهي الخيار من شيء.
وجملة ) وإذا بُشِّر أحدهم ( يجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير النصب في ) وأصفاكم ربّكم بالبنين، ومقتضى الظاهر أن يؤتى بضمير الخطاب في قوله : أحدهم ( فعدل عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة على طريق الالتفات ليكونوا محكياً حالهم إلى غيرهم تعجيباً من فساد مقالتهم وتشنيعاً بها إذ نسبوا لله بنات دون الذّكور وهو نقص، وكانوا ممن يكره البنات ويَحقِرهُنَّ فنسبَتها إلى الله مفض إلى الاستخفاف بجانب الإلاهية.
والمعنى : أأتّخذ مما يخلق بنات الله وأصفاكم بالبنين في حال أنكم إذا بُشّر أحدكم بما ضربه للرحمان مثلاً ظَلَّ وجهه مسودّاً.