" صفحة رقم ١٨٦ "
عبدنا الأصنام، بدليل أن الله هو المتصرف في شؤوننا وشؤون الخلائق لكنا عبدنا الأصنام بدليل المشاهدة فَقد شاء الله أن نعبد الأصنام.
وقد أجيبوا عن قولهم بقوله تعالى : ما لهم بذلك من علم ( أي ليس لهم مستند ولا حجة على قياسهم لأن مُقدَّم القياس الاستثنائي وهو ) لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( مبنيّ على التباس المشيئة التكوينية بالمشيئة التكليفية فكان قياسهم خلياً عن العلم وهو اليقين، فلذلك قال الله :( ما لهم بذلك ( أي بقولهم ذلك ) من علم ( بل هو من جهالة السفسطة واللّبس. والإشارة إلى الكلام المحكي بقوله :( وقالوا لو شاء الرحمن ).
وجملة ) إن هم إلا يخرصون ( بيان لجملة ) ما لهم بذلك من علم ).
والخرص : التوهم والظنّ الذي لا حجة فيه قال تعالى :( قتل الخرَّاصون ( ( الذاريات : ١٠ ).
إضراب انتقالي، عُطف على جملةِ ) ما لهم بذلك من علم ( ( الزخرف : ٢٠ ) فبعد أن نفى أن يكون قولُهم ) لو شاء الرحمن ما عبدناهم ( ( الزخرف : ٢٠ ) مستنداً إلى حجة العقل، انتقل إلى نفي أن يكون مستنداً إلى حجة النقل عن إخبار العالِم بحقائق الأشياء التي هي من شؤونه.
واجتلب للإضراب حرف ) أم ( دون ( بَل ) لما تؤذن به ) أم ( من استفهام بعدها، وهو إنكاري. والمعنى : وما آتيناهم كتاباً من قبله. وضمير ) من قبله ( عائد إلى القرآن المذكور في أوّل السورة. وفي قوله :( وإنه في أم الكتاب لدينا لعليٌّ حكيمٌ ( ( الزخرف : ٤ ). وفي هذا ثناء ثالث على القرآن ضمني لاقتضائه أن القرآن لا يأتي إلا بالحق الذي يُستمسك به.
وهذا تمهيد للتخلص إلى قوله تعالى :( بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمةٍ ( ( الزخرف : ٢٢ ).
و ) مِن ( مزيدة لتوكيد معنى ( قبْل ). والضمير المضاف إليه ( قَبْل ) ضمير