" صفحة رقم ١٩٤ "
قولَ الكافر ) رَبِّ ارجعون لعلّي أعمل صالحاً فيما تَركْتُ ( ( المؤمنون : ٩٩، ١٠٠ ). وقال تعالى :( كبرت كلمةٌ تخرج من أفواههم ( ( الكهف : ٥ ) وهي قولهم :( اتّخذ الله ولداً ( ( البقرة : ١١٦ ) وقد قال تعالى :( وأوصى بها إبراهيم بنيه ( ( البقرة : ١٣٢ )، أي بقَوله :( أسلمت لربّ العالمين ( ( البقرة : ١٣١ ) فَأعاد عليها ضمير التأنيث على تأويل ( الكلمة ).
واعلم أنه إنّما يقال للكلام كلمة إذا كان كلاماً سائراً على الألسنة متمثلاً به، كما في قول النبي ( ﷺ ) ( أصدق كلمة قالها شاعر كلمةُ لبيد : ألاَ كلُ شيء ما خلا الله باطل )، أو كان الكلام مجعولاً شعاراً كقولهم : لا إلاه إلا الله كلمة الإسلام، وقال تعالى :( ولقد قالوا كلمة الكفر ( ( التوبة : ٧٤ ) ).
فالمعنى : جعَل إبراهيم قوله :( إنني براءٌ مما تعبدون إلا الذي فطرني ( ( الزخرف : ٢٦، ٢٧ ) شعاراً لعقبه، أي جعلها هي وما يرادفها قولاً باقياً في عقبه على مرّ الزمان فلا يخلو عقب إبراهيم من موحدين لله نابذين للأصنام. وأشعر حرف الظرفية بأن هاته الكلمة لم تنقطع بين عقب إبراهيم دون أن تعمّ العقب، فإن أريد بالعقب مجموعُ أعقابه فإن كلمة التوحيد لم تنقطع من اليهود وانقطعت من العرب بعد أن تقلدوا عبادة الأصنام إلاّ من تَهوّد منهم أو تنصَّر، وإن أريد مِن كُل عقب فإن العرب لم يخلو من قائم بكلمة التوحيد مثل المتنَصِّرين منهم كالقبائل المتنصرة وورقة بن نوفل، ومثل المتحنفين كزيد بن عَمرو بن نُفيل، وأُمية بن أبي الصلت. وذلك أن ) في ( ترد للتبعيض كما ذكرناه في قوله تعالى :( وارزقوهم فيها واكسوهم في سورة النساء. وقال سَبْرة بن عَمرو الفقعسي من الحماسة :
ونَشْرب في أثمانها ونُقامر
والعقب : الذرية الذين لا ينفصلون من أصلهم بأنثى، أي جعل إبراهيم كلمة التوحيد باقية في عقبه بالوصاية عليها راجياً أنهم يرجعون، أي يتذكرون بها التوحيد إذا رانَ رَيْن على قلوبهم، أو استحسنوا عبادةَ الأصنام كما قال قوم موسى : اجْعَل لنا إلاهاً كما لهم آلهةٌ ( ( الأعراف : ١٣٨ ) فيهتدون بتلك الكلمة حين يضيق الزّمن عن بسط الحجة. وهذا شأن الكلام الذي يجعل شعاراً لشيء فإنه يكون أصلاً موضوعاً قد تبيّن


الصفحة التالية
Icon