" صفحة رقم ٢٠٠ "
فالتعريف في ) القريتين ( للعهد، جعلوا عماد التأهل لسيادة الأقوام أمرين : عظمة المسوّد، وعظمة قريته، فهم لا يدينون إلا من هو من أشهر القبائل في أشهر القرى لأن القرى هي مأوى شؤون القبائل وتموينهم وتجارتهم، والعظيم : مستعار لصاحب السؤدد في قومه، فكأنه عظيم الذات.
روي عن ابن عباس أنهم عَنَوْا بعظيم مكة الوليدَ بن المغيرة المخزومي، وبعظيم الطائف حبيب بن عمرو الثقفي. وعن مُجاهد أنهم عنَوا بعظيم مكة عتبة بن رَبيعة وبعظيم الطائف كنانة بن عبد يَالِيل. وعن قتادة عنوا الوليدَ بن المغيرة وَعُروة بن مسعود الثقفي. ثم يحتمل أنهم قالوا هذا اللّفظ المحكي عنهم في القرآن ولم يسموا شخصين معيّنَيْن، ويحتمل أنهم سمّوا شخصين ووصفوهما بهذين الوصفين، فاقتصر القرآن على ذكر الوصفين إيجازاً مع التنبيه على ما كانوا يؤهلون به الاختيار للرسالة تحميقاً لرأيهم.
وكان الرجلان اللّذان عَنوهما ذَوَيْ مال لأنّ سَعة المال كانت من مقومات وصف السؤدد كما حكي عن بني إسرائيل قولهم :( ولم يؤت سعةً من المال ( ( البقرة : ٢٤٧ ).
إنكار عليهم قولهم ) لولا نزل هذا القرآن على رجللٍ من القريتين عظيم ( ( الزخرف : ٣١ )، فإنهم لما نصبوا أنفسهم منصب من يتخير أصناف النّاس للرسالة عن الله، فقد جعلوا لأنفسهم ذلك لا لله، فكان من مقتضَى قولهم أن الاصطفاء للرسالة بيدهم، فلذلك قُدّم ضمير ) هُمْ ( المجعول مسنداً إليه، على مسندٍ فعلي ليفيد معنى الاختصاص فسلط الإنكار على هذا الحصر إبطالاً لقولهم وتخطئة لهم في تحكمهم.