" صفحة رقم ٢٠٣ "
( ٣٣ ٣٥ )
) ولولا ( حرف امتناع لوجود، أي حرف شرط دلّ امتناع وقوععِ جوابها لأجل وقوع شرطها، فيقتضي أن الله أراد امتناع وقوع أن يكون الناس أمة واحدة، أي أراد الاحتراز من مضمون شرطها.
لما تقرر أن مِن خُلُقهم تعظيمَ المال وأهل الثراء وحُسْبانَهم ذلك أصل الفضائل ولم يَهتموا بزكاء النّفوس، وكان الله قد أبطل جعلهم المال سبب الفضل بإبطالين، بقوله :( أهم يقسمون رحمة ربك ( ( الزخرف : ٣٢ ) وقوله :( ورحمة ربك خير مما يجمعون ( ( الزخرف : ٣٢ )، أعقب ذلك بتعريفهم أن المال والغنى لاَ حَظّ لهما عند الله تعالى فإن الله أعطى كل شيء خلقه وجعل للأشياء حقائقها ومقاديرها فكثيراً ما يكون المال للكافرين ومن لا خلاق لهم من الخير، فتعين أن المال قسمة من الله على النّاس جعل له أسباباً نظمها في سلك النظُم الاجتماعية وجعل لها آثاراً مناسبة لها، وشتان بينها وبين مواهب النفوس الزكية والسرائر الطيبة، فالمال في الغالب مصدر لإرضاء الشهوات ومرصد للتفاخر والتطاول. وأما مواهب النفوس الطيّبة فمَصَادرُ لنفع أصحابها ونفع الأمة، ففي أهل الشر أغنياء وفقراء وفي أهل الخير أمثال ذلك، فظهر التباين بين آثار كسب المال وآثار الفضائل النفسانية.
ويحصل من هذا التحقير للمال إبطال ثالث لما أسسوا عليه قولهم :( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ( ( الزخرف : ٣١ )، فهذه الجملة عطف على جملة ) ورحمت ربك خير مما يجمعون ( الزخرف : ٣٢ ).
والنّاس يحتمل أن يراد به جميع النّاس، فيكون التعريف للاستغراق، أي جميع البشر. والأمة : الجماعة من البشر المتميزة عن غيرها باتحاد في نسب أو دين أو


الصفحة التالية
Icon