" صفحة رقم ٢١٤ "
والمقصود تحذير النّاس من قرين السوء وذم الشياطين ليعافهم النّاس كقوله :( إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدوّاً ( ( فاطر : ٦ ).
الظاهر أن هذه الجملة معطوفة على جملة ) قال يا ليت بيني وبينك بُعْدَ المشرقين ( ( الزخرف : ٣٨ ) وأن قولا محذوفاً دلّ عليه فعل ) جاءانا ( الزخرف : ٣٨ ) الدال على أن الفريقين حضرا للحساب وتلك الحضرة تؤذن بالمقاولة فإن الفريقين لما حضرا وتبرأ أحدهما من الآخر قصداً للتفصي من المؤاخذة كما تقدمت الإشارة إليه آنفاً فيقول الله ولن ينفعكم اليوم أنكم في العذاب مشتركون. والخطاب موجه للذين عَشَوْا عن ذكر الرحمن ولشياطينهم.
وفي هذا الكلام إشارة إلى كلام مطوي، والتقديرُ : لا تُلقوا التبعة على القرناء فأنتم مؤاخذون بطاعتهم وهم مؤاخذون بإضلالكم وأنتم مشتركون في العذاب ولن ينفعكم أنكم في العذاب مشتركون لأن عذاب فريق لا يخفف عن فريق كما قال تعالى : ربّنا هؤلاء أضلُّونا فئاتهم عذاباً ضعفاً من النّار قال لكللٍ ضعفٌ ولكن لا تعلمون ( ( الأعراف : ٣٨ ).
ووقوع فعل ) ينفعكُم ( في سياق النفي يدل على نفي أن يكون الاشتراك في العذاب نافعاً بحال لأنه لا يخفِف عن الشريك من عذابه. وأما ما يتعارفه النّاس من تسلّي أحد برؤية مثله مِمَّن مُنِي بمصيبة فذلك من أوهام البشر في الحياة الدّنيا، ولعلّ الله جعل لهم ذلك رحمة بهم في الدّنيا، وأما الآخرة فعالَم الحقائق دون الأوهام. وفي هذا التوهم جاء قول الخنساء :
ولَولا كثرة الباكين حولي
على إخوانهم لقتلتُ نفسي
وقرأ الجمهور ) أنكم ( بفتح همزة ( أنَّ ) على جعل المصدر فاعلاً. وقرأ ابن عامر ) إنكم ( بكسر الهمزة على الاستئناف ويكون الوقف عند قوله :( إذ