" صفحة رقم ٢٤٨ "
وهذه الآية تدل على جواز تأخير البيان فيما له ظاهر وفي ما يرجع إلى البيان بالنسخ، والمسألة من أصول الفقه.
وفرع على إجمال فاتحة كلامه قوله :( فاتقوا الله وأطيعون ). وهذا كلام جامع لتفاصيل الحكمة وبيان ما يختلفون فيه، فإن التقوى مخافة الله. وقد جاء في الأثر ( رأس الحكمة مخافةُ الله )، وطاعة الرّسول تَشمل معنى ) ولأبين لكم بعضَ الذي تختلفون فيه ( فإذا أطاعوه عملوا بما يبين لهم فيحصل المقصود من البيان وهو العمل. وأجمعُ منه قول النبي ( ﷺ ) لسفيان الثَقفي وقد سأله أن يقول له في الإسلام قولاً لا يسْأل عنه أحداً غيره ( قُلْ آمنتُ بالله ثم استَقِم )، لأنه أليق بكلمة جامعة في شريعةٍ لا يُترقب بعدها مجيء شريعة أخرى، بخلاف قول عيسى عليه السلام ) وأطيعون ( فإنه محدود بمدة وجوده بينهم.
وجملة ) إن الله هو ربّي وربّكم ( تعليل لجملة ) فاتقوا الله وأطيعون ( لأنه إذا ثبت تفرده بالربوبية توجه الأمر بعبادته إذ لا يَخاف الله إلا مَن اعترف بربوبيته وانفرادِه بها.
وضمير الفصل أفاد القصر، أي الله ربّي لا غيره. وهذا إعلان بالوحدانية وإن كان القوم الذين أرسل إليهم عيسى موحِّدين، لكن قد ظهرت بدعةٌ في بعض فرقهم الذين قالوا : عزيرُ ابنُ الله. وتأكيد الجملة بِ ) إنَّ ( لمزيد الاهتمام بالخبر فإن المخاطبين غير منكرين ذلك.
وتقديم نفسه على قومه في قوله :( ربّي وربّكم ( لقصد سدّ ذرائع الغلوّ في تقديس عيسى، وذلك من معجزاته لأن الله علم أنه ستغلو فيه فِرق من أتباعه فيزعمون بنوَّتَه من الله على الحقيقة، ويضلّون بكلمات الإنجيل التي يَقول فيها عيسى : أبي، مريداً به الله تعالى.
وفرع على إثبات التوحيد لله الأمر بعبادته بقوله :( فاعبدوه ( فإن المنفرد بالإلاهية حقيق بأن يعبد.


الصفحة التالية
Icon