" صفحة رقم ٢٦٤ "
ولقَّنه كلاماً يدل على أنه ما كان يعزب عنه أن الله ليس له ولد ولا يخطر بباله أن لله ابناً. والذين يقول لهم هذا المقول هم المشركون الزاعمون ذلك فهذا غرض الآية على الإجمال لأنها افتتحت بقوله :( قل إن كان للرحمان ولد ( مع علم السامعين أن النبي ( ﷺ ) لا يروج عنده ذلك. ونظم الآية دقيق ومُعضِل، وتحته معاننٍ جمّة :
وأولُها وأوْلاها : أنه لو يَعلم أن لله أبناءَ لكان أول من يعبدهم، أي أحق منكم بأن أعبدهم، أي لأنه ليس أقل فهماً من أن يعلم شيئاً ابناً لله ولا يعترف لذلك بالإلاهية لأن ابن الله يكون منسلاً من ذات إلاهية فلا يكون إلا إلاهاً وأنا أعلم أن الإلاه يستحق العبادة، فالدليل مركب من مُلاَزَمةٍ شرطية، والشرط فرضيٌّ، والملازمة بين الجواب والشرط مبنية على أن المتكلم عاقل داععٍ إلى الحق والنجاة فلا يرضى لنفسه ما يورطه، وأيضاً لا يرضى لهم إلا ما رضيه لنفسه، وهذا منتهى النصح لهم، وبه يتمّ الاستدلال ويفيد أنه ثابت القدم في توحيد الإلاه.
ونُفي التعدد بنفي أخص أحوال التعدد وهو التعدد بالأبوة والبنوة كتعدد العائلة، وهو أصل التعدد فينتفي أيضاً تعدد الآلهة الأجانب بدلالة الفحوى. ونظيره قول سعيد بن جبير للحجاج. وقد قال له الحجاج حين أراد أن يقتله : لأُبَدِّلَنَّك بالدنيا ناراً تَلظّى فقال سعيد : لو عرفتُ أن ذلك إليك ما عبدتُ إلاهاً غيرك، فنبهه إلى خطئه بأن إدخال النار من خصائص الله تعالى.
والحاصل أن هذا الاستدلال مركب من قضية شرطية أول جُزْأيْها وهو المقدم باطل، وثانيهما وهو التالي باطل أيضاً، لأن بطلان التالي لازم لبطلان المقّدم، كقولك : إن كانت الخمسة زوجاً فهي منقسمة بمتساويين، والاستدلال هنا ببطلان التالي على بطلان المقدم لأن كون النبي ( ﷺ ) عابداً لمزعوم بنوتُه لله أمرٌ منتففٍ بالمشاهدة فإنه لم يزل ناهياً إياهم عن ذلك. وهذا على وزان الاستدلال في قوله تعالى :( لو كان فيهما آلهةٌ إلا الله لفسدتا ( ( الأنبياء : ٢٢ )، إلا أن تلك جعل شرطها بأداة صريحة في الامتناع، وهذه جعل شرطها بأداة غير صريحة في الامتناع.