" صفحة رقم ٢٧٢ "
في قوله :( ولئن سألتهم من خلقهم ( ( الزخرف : ٨٧ )، فإنه بعد ما مضى من المحاجّة ومن حكاية إقرارهم بأن الله الذي خلقهم، ثم إنهم لم يتزحزحوا عن الكفر قيد أنملة، حصل اليأس للرسول من إيمانهم فقال :( يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون ( التجاء إلى الله فيهم وتفويضاً إليه ليجري حكمه عليهم.
وهذا من استعمال الخبر في التحسر أو الشكاية وهو خبر بمعنى الإنشاء مثل قوله تعالى :( وقال الرسول يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ( ( الفرقان : ٣٠ )، أي لم يعملوا به فلم يؤمنوا، ويؤيّد هذا تفريع ) فاصفَح عنهم ( ( الزخرف : ٨٩ )، ففي ضمير الغيبة التفات لأن الكلام كان جارياً على أسلوب الخطاب من قوله :( ولئن سألتهم من خلقهم ( ( الزخرف : ٨٧ ) فمقتضى الظاهر : وقولَكَ : يا ربّ الخ. ويحسِّن هذا الالتفات أنه حكاية لشيء في نفس الرّسول فجعل الرسول بمنزلة الغائب لإظهار أن الله لا يهمل نداءه وشكواه على حدّ قوله تعالى :( عبس وتولّى ( ( عبس : ١ ). وإضافة القيل إلى ضمير الرسول مشعرة بأنه تكرر منه وعرف به عند ربّه، أي عُرف بهذا وبما في معناه من نحو ) يا ربّ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً وقوله : حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه مَتَى نصر الله ( ( البقرة : ٢١٤ ).
وقرأ الجمهور ) وقيلَه ( بنصب اللام على اعتبار أنه مصدر نُصب على أنه مفعول مطلق بَدل من فعله.
والتقدير : وقال الرسول قيلَه، والجملة معطوفة على جملة ) ولئن سألتهم من خلقهم ( ( الزخرف : ٨٧ ) أو على جملة ) فأنى يؤفكون ( ( الزخرف : ٨٧ )، أي وقال الرسول حينئذٍ يا ربّ الخ. ونظيره قول كعب بن زهير :
تمشي الوشاة جنابيْها وقيلَهم
إنك يا بنَ أبي سُلْمى لمقتول
على رواية ( قيلَهم ) ونصبه، أي ويقولون : قيلهم وهي رواية الأصمعي.
ويجوز أن يكون النصب على المفعول به لقوله :( لا نَسْمَع ( ( الزخرف : ٨٠ )، والتقدير : بلى ونعلم قِيلَه وهذا اختيار الفراء والأخفش، وقال المبرد والزجاج : هو منصوب بفعل مقدر دل عليه قوله :( وعنِده علم الساعة ( ( الزخرف : ٨٥ ) أي ويعلم قيله.