" صفحة رقم ٢٧٨ "
وذلك من معاني بركتها وكم لها من بركات للمسلمين في دينهم، ولعل تلك البركة تسري إلى شؤونهم الصالحة من أمور دنياهم.
فبركة الليلة التي أنزل فيها القرآن بركة قدَّرها الله لها قبل نزول القرآن ليكون القرآن بابتداء نزوله فيها مُلابساً لوقت مبارك فيزداد بذلك فضلاً وشرفاً، وهذا من المناسبات الإلاهية الدقيقة التي أنبأنا الله ببعضها. والظاهر أن الله أمدّها بتلك البركة في كل عام كما أومأ إلى ذلك قوله :( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن إذ قاله بعد أن مضى على ابتداء نزول القرآن بضْعَ عشرة سنة. وقولُه ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهرٍ ( ( القدر : ٣ ) وقوله ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر وقوله : فيها يفرق كل أمر حكيم ). وعن عكرمة : أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان وهو قول ضعيف.
واختلف في الليلة التي ابتدىء فيها نزول القرآن على النبي ( ﷺ ) من ليالي رمضان، فقيل : هي ليلة سبعَ عشرة منه ذكره ابن إسحاق عن الباقر أخذاً من قوله تعالى :( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ( ( الأنفال : ٤١ ) فإن رسول الله ( ﷺ ) التقى هو والمشركون ببدر يوم الجمعة صبيحة سبعَ عشرة ليلة من رمضان اه. أي تأول قوله :( وما أنزلنا على عبدنا ( ( الأنفال : ٤١ ) أنه ابتداء نزول القرآن. وفي المراد ب ) ما أنزلنا ( احتمالات ترفع الاحتجاج بهذا التأويل بأن ابتداء نزول القرآن كان في مثل ليلة يوم بدر. والذي يجب الجزم به أن ليلة نزول القرآن كانت في شهر رمضان وأنه كان في ليلة القدر. ولما تضافرت الأخبار أن النبي ( ﷺ ) قال في ليلة القدر ( اطلبوها في العشر الأواخر من رمضان في ثالثة تبقى في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى ). فالذي نعتمده أن القرآن ابتدىء نزوله في العشر الأواخر من رمضان، إلاّ إذا حُمل قول النبي ( ﷺ ) ( اطلبوها في العشر الأواخر ) على خصوص الليلة من ذلك العام.


الصفحة التالية
Icon