" صفحة رقم ٢٩٢ "
فالمعنى : وقد جاءهم رسول فشكُّوا في رسالته ثم تولّوا عنه وطعنوا فيه، فالتولّي والطعن حصلا عند حصول الشك واللعب، ولذلك كانت ) ثم ( للتراخي الرتبي لا لتراخي الزمان. ومعنى التراخي الرتبي هنا أن التولي والبهتان أفظع من الشك واللعب. والمعلَّم الذي يعلِّمه غيره، وقد تقدم عند قوله تعالى :( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يُعلِّمه بشر في سورة النحل.
والمعنى : أنهم وصفوه مرة بأنه يعلّمه غيره، ووصفوه مرة بالجنون، تنقلاً في البهتان، أو وصفَه فريق بهذا وفريق بذلك، فالقول موزع بين أصحاب ضمير قالوا ( أو بين أوقات القائلين. ولا يصح أن يكون قولاً واحداً في وقت واحد لأن المجنون لا يكون معلَّماً ولا يتأثر بالتعليم.
يجيء على مَا فسر به جميع المفسرين قولَه ) ربنا اكشف عنا العذاب ( ( الدخان : ١٢ )، أن هذه الجملة جواب لسؤالهم، ويجيء على ما درجنا عليه أن تكون هذه الجملة إعلاماً للنبيء ( ﷺ ) بأنْ يُكشَف العذابُ المتوعَّد به المشركون مدةً، فيعودون إلى ما كانوا فيه، وعليه فضمير ) إنكم عائدون ( التفات إلى خطاب المشركين، أي يُمسكون عن ذلك مدة وهي المدة التي أرسلوا فيها وفْدَهم إلى المدينة ليسأل الرسولَ ( ﷺ ) أن يدعو الله بكشف القحط عنهم فإنهم أيامئذٍ يمسكون عن الطعن والذمّ رجاء أن يدعو لهم ثم يعودون لما كانوا فيه، كما قال تعالى :( وإذا مَسّ الإنسانَ ضرٌّ دعا ربه منيباً إليه ثم إذا خوّله نعمةً منه نَسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله ( ( الزمر : ٨ ) كما اقتضى أن العذاب عائد إليهم بعد عودتهم إلى ما كانوا فيه من أسباب إصابتهم بالعذاب.
فمعنى ) إنا كاشفوا العذاب ( : إنا كاشفوه في المستقبل بقرينة قوله قبله ) فارتَقب يوم تأتي السماء بدخاننٍ مبينٍ ( ( الدخان : ١٠ ) المقتضي أنه يحصل في المستقبل، والآية


الصفحة التالية
Icon