" صفحة رقم ٢٩٩ "
إليهم، فالتقدير : فَلَمْ يستجيبوا له فيما أمرهم، أو فأصرّوا على أذاه وعدم متاركته فدعا ربه، وهذا التقرير الثاني أليق بقوله :( أن هؤلاء قوم مجرمون ). وهذا كالتعقيب الذي في قوله تعالى :( فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق ( ( الشعراء : ٦٣ )، وقوله :( أن هؤلاء قوم مجرمون ( اتفق القراء العشرة على قراءته بفتح الهمزة وشد النون فما بعدها في قوة المصدر، فلذلك تقدر الباء التي يتعدّى بها فعل ( دَعا )، أي دعا ربه بما يجمعه هذا التركيبُ المستعمل في التعريض بأنهم استوجبوا تسليط العقاب الذي يَدعو به الداعي، فالإخبار عن كونهم قوماً مجرمين مستعمل في طلب المجازاة على الإجرام أو في الشكاية من اعتدائهم، أو في التخوف من شرهم إذا استمرّوا على عدم تسريح بني إسرائيل، وكل ذلك يقتضي الدعاء لكف شرّهم، فلذلك أطلق على هذا الخبر فعل ) دعا ).
تفريع على جملة ) أن هؤلاء قوم مجرمون ( ( الدخان : ٢٢ )، والمفرَّع قول محذوف دلت عليه صيغة الكلام، أي فدعا فقلنا : اسْرِ بعبادي. وقرأه نافع وابن كثير وأبو جعفر ) فاسْرِ ( بهمزة وصل على أنه أمر من ( سرى )، وقرأه الباقون بهمزة قطع من ( أسرى ) يقال : سرَى وَأَسْرى. وقد تقدم عند قوله تعالى :( سبحان الذي أسرى بعبده ( ( الإسراء : ١ ) فتقييده بزمان الليل هنا نظير تقييده في سورة الإسراء، والمقصود منه تأكيد معنى الإسراء بأنه حقيقة وليس مستعملاً مجازاً في التبكير بناءً على أن المتعارف في الرحيل أن يكون فجْراً.
وفائدة التأكيد أن يكون له من سعة الوقت ما يَبلغون به إلى شاطىء البحر الأحمر قبل أن يدركهم فرعون بجنوده.
وجملة ) إنكم متبعون ( تقيد تعليلاً للأمر بالإسراء ليلاً لأنه مما يستغرب، أي أنكم متَّبعون فأردنا أن تقطعوا مسافة يتعذّر على فرعون لحاقكم. وتأكيد الخبر ب ( إنَّ ) لتنزيل غير السائل منزلة السائل إذَا قُدّم إليْه ما يلوِّح له


الصفحة التالية
Icon