" صفحة رقم ٣١٦ "
اقتضاها ترويع الأثيم حين سمعها، فلما كان المحكي هنا القول الذي يسمعه الأثيم صيغ بطريقة التمثيلية تهويلاً، بخلاف قوله :( يُصَبّ من فوق رءوسهم الحميم ( ( الحج : ١٩ ) الذي هو إخبار عنهم في زمن هم غير سامعيه فلم يؤت بمثل هذه الاستعارة إذ لا مقتضى لها.
وجملة ) ذق إنك أنت العزيز الكريم ( مقول قول آخر محذوف تقديره : قولوا له أو يقال له.
والذوق مستعار للإحساس وصيغة الأمر مستعملة في الإهانة.
وقوله :( إنك أنت العزيز الكريم ( خبر مستعمل في التهكم بعلاقة الضدّية. والمقصود عكس مدلوله، أي أنت الذليل المهان، والتأكيد للمعنى التهكمي. وقرأه الجمهور بكسر همزة ) إنك ). وقرأه الكسائي بفتحها على تقدير لام التعليل وضمير المخاطب المنفصل في قوله :( أنت ( تأكيد للضمير المتصل في ) إنك ( ولا يؤكد ضمير النصب المتصل إلا بضمير رفع منفصل.
وجملة ) إن هذا ما كنتم به تمترون ( بقية القول المحذوف، أي ويقال للآثمين جميعاً : إن هذا ما كنتم به تمترون في الدنيا. والخبر مستعمل في التنديم والتوبيخ واسم الإشارة مشار به إلى الحالة الحاضرة لديهم، أي هذا العذاب والجزاء هو ما كنتم تكذبون به في الدنيا.
والامتراء : الشك، وأطلق الامتراء على جزيتهم بنفي يقينهم بانتفاء البعث لأن يقينهم لما كان خلياً عن دلائل العلم كان بمنزلة الشك، أي أن البعث هو بحيث لا ينبغي أن يوقن بنفيه على نحو ما قرر في قوله تعالى :( ذلك الكتاب لا ريب فيه ( ( البقرة : ٢ ).
( ٥١ ٥٣ )
استئناف ابتدائي انتقل به الكلام من وصف عذاب الأثيم إلى وصف نعيم المتقين لمناسبة التضاد على عادة القرآن في تعقيب الوعيد بالوعد والعكس.


الصفحة التالية
Icon