" صفحة رقم ٣٥٢ "
دين وازع يزعهم عن السيئات ولا هم مؤمنون بالبعث والجزاء، فيكون إيمانهم به مرغباً في الجزاء، ولذلك كثُر في القرآن الكناية عن المشركين بالتلبس بالسيئات كقوله :( ويلٌ للمطففين ( إلى قوله :( ألاَ يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ( ( المطففين : ١ ٥ ) وكقوله :( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين ( ( المدثر : ٤٢ ٤٦ ) وقوله :( أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدعّ اليتيم ولا يحضّ على طعام المسكين ( ( الماعون : ١ ٣ ) ونظيره ) أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ( ( العنكبوت : ٤ )، فإن ذلك حال الكفار، وأما المؤمن العاصي فلا تبلغ به حاله أن يحسب أنه مفلت من قدرة الله. قيل : نزلت في قوم من المشركين. قال البغوي : نزلت في نفر من مشركي مكة قالوا للمؤمنين : لئن كان ما تقولون حقاً لنفضلنّ عليكم في الآخرة كما فضّلنا عليكم في الدنيا. وعن الكلبي : أن عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة قالوا لعلي وحمزة وبعض المسلمين : والله ما أنتم على شيء ولئن كان ما تقولون حقاً أي إن كان البعث حقاً لحالنا أفضل من حالكم في الآخرة كما أنّا أفضل حالاً منكم في الدنيا. وتأويل نزول هذه الآية على هذا السبب أن حدوث قول هؤلاء النفر صادف وقت نزول هذه الآيات من السورة أو أن قولهم هذا متكرر فناسب تعرض الآية له حقه.
ونزول الآية على هذا السبب لإبطال كلامهم في ظاهر حاله وإن كانوا لم يقولوه عن اعتقاد وإنما قالوه استهزاء، لئلا يروج كلامهم على دهمائهم وَالحديثين في الإسلام لأن شأن التصدّي للإرشاد أن لا يغادر مغمزاً لرواج الباطل إلا سدّه، كما في قوله تعالى :( أفرأيتَ الذي كفر بآياتنا وقال لأُوتَيّن مالاً وولداً أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهداً ( ( مريم : ٧٧، ٧٨ ) وله نظائر في القرآن. وزاد القرطبي في حكاية كلام الكلبي أنهم قالوه حين برزوا لهم يوم بدر، وهو لا يستقيم لأن السورة مكية ولم ينقل عن أحد استثناء هذه الآية منها.
والاجتراح : الاكتساب، وصيغة الافتعال فيه للمبالغة، وهو مشتق من الجرح