" صفحة رقم ٣٦٣ "
يعلمون أن الله هو الخالق للعوالم، وأما ما يجري في العالم من التصرفات فلم يكن لهم فيه رأي وكيف وحالتهم الأمية لا تساعد على ذلك، وكانوا يخطئون في التفاصيل حتى يأتوا بما يناقض ما يعتقدونه، ولذلك أعقبه بقوله تعالى :( وما لهم بذلك من علم ( فإشارة ب ) ذلك ( إلى قولهم ) وما يهلكنا إلا الدهر ( أي لا علم لهم بأن الدهر هو المميت إذ لا دليل على ذلك فإن الدليل النظري بَيَّن أن الدهر وهو الزمان ليس بمُميت مباشرةً وهو ظاهر ولا بواسطةٍ في الإماتة إذ الزمان أمر اعتباري لا يفعل ولا يؤثر وإنما هو مقادير يقدِّر بها الناس الأبعاد بين الحوادث مرجعه إلى تقدير حصة النهار والليل وحصص الفصول الأربعة، وإنما توهم عامة الناس أن الزمان متصرف، وهي توهمات شاعت حتى استقرت في الأذهان الساذجة.
والمراد بالظن في قوله :( إن هم إلا يظنون ( ما ليس بعلم فهو هنا التخيل والتوهم وجملة ) إن هم إلا يظنون ( مبيّنة بجملة ) وما لهم بذلك من علم ( أو استئناف بياني كأنّ سائلاً حين سَمع قوله :( وما لهم بذلك من علم ( سأل عن مستندهم في قولهم ذلك فأجيب بأنه الظن المبني على التخيل.
وجيء بالمضارع في ) يظنون ( لأنهم يحددون هذا الظن ويتلقاه صغيرهم عن كبيرهم في أجيالهم وما هم بمقلعين عنه.
عطف على ) وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون ( ( الجاثية : ٢٤ )، أي عقدوا على عقيدة أن لا حياة بعد الممات استناداً للأوهام والأقيسة الخيالية. وإذا تليت عليهم آيات القرآن الواضحة الدلالة على إمكان البعث وعلى لزومه لم يعارضوها بما يبطلها بل يهرعون إلى المباهتة فيقولون إن كان البعث حقاً فأتوا بآبائنا إن صدقتم. فالمراد بالآيات آيات القرآن المتعلقة بالبعث بدليل ما قبل الكلام وما بعده.