" صفحة رقم ١٠٧ "
أيضاً تنويهاً بشأن الذين آمنوا، وأفاد ذكره مقابلةً بين حالي الفريقين جريا على سنن هذه السورة. ومقال الذين آمنوا هذا كان سبباً في نزول قوله تعالى :( فإذا لقِيتم الذين كفروا فضَربَ الرقاب ( ( محمد : ٤ )، ولذلك فالمقصود من السورة التي ذكر فيها القتال هذه السورة التي نحن بصددها.
ومعلوم أن قول المؤمنين هذا وقع قبل نزول هذه الآية فالتعبير عنه بالفعل المضارع : إمّا لقصد استحضار الحالة مثل ) ويصنع الفلك ( ( هود : ٣٨ )، وإما للدلالة على أنهم مستمرون على هذا القول. وتبعاً لذلك تكون ) إذا ( في قوله :( فإذا أنزلت سورة ( ظرفاً مستعملاً في الزمن الماضي لأن نزول السورة قد وقع، ونَظرُ المنافقين إلى الرسول ( ﷺ ) هذا النظر قد وقع إذ لا يكون ذمهم وزجرهم قبل حصول ما يوجبه فالمقام دال والقرينة واضحة.
و ) لولا ( حرف مستعمل هنا في التمني، وأصل معناه التخصيص فأطلق وأريد به التمني لأن التمني يستلزم الحرصَ والحرصُ يدعو إلى التحضيض.
وحذف وصف ) سورة ( في حكاية قولهم :( لولا نزلت سورة ( لدلالة ما بعده عليه من قوله :( وذُكِر فيها القتال ( لأن قوله ) فإذا أنزلت سورة (، أي كما تمنَّوا اقتضى أن المسؤول سورة يشرع فيها قتال المشركين. فالمعنى : لولا نزلت سورة يذكر فيها القتال وفرضه، فحُذف الوصف إيجازاً. ووصف السورة ب ) محكمة ( باعتبار وصف آياتها بالإحكام، أي عدم التشابه وانتفاء الاحتمال كما دلت عليه مقابلة المحكمات بالمتشابهات في قوله :( منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات في سورة آل عمران، أي لا تحتمل آيات تلك السورة المتعلّقةُ بالقتال إلا وجوب القتال وعدم الهوادة فيه مثل قوله : فإذا لَقِيتم الذين كفروا فضربَ الرقاب ( ( محمد : ٤ ) الآيات، فلا جرم أن هذه السورة هي التي نزلت إجابة عن تمنّي الذين آمنوا. وإنما قال :( وذُكِر فيها القتال ( لأن السورة ليست كلها متمحضة لذكر القتال فإن سور القرآن ذوات أغراض شتّى.


الصفحة التالية
Icon