" صفحة رقم ١١٠ "
تفريع على وصف حال المنافقين من الهلع عند سماع ذكر القتال فإنه إذا جدّ أمر القتال، أي حان أن يُندب المسلمون إلى القتال سيضطرب أمر المنافقين ويتسللون لِوَاذاً من حضور الجهاد، وأن الأولى لهم حينئذٍ أن يخلصوا الإيمان ويجاهدوا كما يجاهد المسلمون الخلص وإلاّ فإنهم لا محيص لهم من أحد أمرين : إمّا حضور القتال بدون نية فتكون عليهم الهزيمة ويخسروا أنفسهم باطلاً، وإمّا أن ينخزلوا عن القتال كما فعل ابنُ أُبَّيّ وأتباعُه يومَ أحُد.
و ) إذا ( ظرف للزمان المستقبل وهو الغالب فيها فيكون ما بعدها مقدراً وجوده، أي فإذا جدّ أمر القتال وحدث.
وجملة ) فلو صدقوا الله ( دليل جواب ) إذَا ( لأن ) إذا ( ضمنت هنا معنى الشرط، أي كذبوا الله وأخلفوا فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم، واقتران جملة الجواب بالفاء للدلالة على تضمين ) إذَا ( معنى الشرط، وذلك أحسن من تجريده عن الفاء إذا كانت جملة الجواب شرطية أيضاً.
والتعريف في ) الأمر ( تعريف العهد، أو اللام عن المضاف إليه، أي أمر القتال المتقدم آنفاً في قوله :( وذُكر فيها القتال ).
والعزم : القطع وتحقق الأمر، أي كونه لا محيص منه. واستعير العزم للتعيين واللزوم على طريقة المكنية بتشبيه ما عُبر عنه بالأمر، أي القتال برجل عزم على عمل مَّا وإثبات العزم له تخييلة كَإثْبَاتتِ الأظفار للمنية، وهذه طريقة السكاكي في جميع أمثلة المجاز العقلي، وهي طريقة دقيقة لكن بدون اطراد ولكن عندما يسمح بها المقام. وجعل في ( الكشاف ) إسناد العزم إلى الأمر مجازاً عقلياً، وحقيقته أن يسند لأصحاب العزم على طريق الجمهور في مثله وهو هنا بعيد إذ ليس المعنى على حصول الجد من أصحاب الأمر، ونظيره قوله تعالى :( إن ذلك من عزم الأمور ( ( لقمان : ١٧ ) فالكلام فيها سواء.


الصفحة التالية
Icon