" صفحة رقم ١١٣ "
الصمّ، على أن في صيغة المضيّ في أفعال : لعنهم، وأصمّهم، وأعمى، ما لا يلاقي قوله :( فهل عَسِيتم ( ( محمد : ٢٢ ) ولا ما في حرف ( إنْ ) من زمان الاستقبال.
واستعير الصمم لعدم الانتفاع بالمسموعات من آيات القرآن ومواعظ النبي ( ﷺ ) كما استعير العمَى هنا لعدم الفهم على طريقة التمثيل لأن حال الأعمى أن يكون مضطرباً فيما يحيط به لا يدري نافعه من ضارّه إلا بمعونة من يرشده، وكَثر أن يقال : أعمى الله بصره، مراداً به أنه لم يهده، وهذه هي النكتة في مجيء تركيب ) وأعمى أبصارهم ( مخالفاً لتركيب ) فأصمهم ( إذ لم يقل : وأعماهم.
وفي الآية إشعار بأن الفساد في الأرض وقطيعة الأرحام من شعار أهل الكفر، فهما جرمان كبيران يجب على المؤمنين اجتنابهما.
تفريع على قوله :( فأصمهم وأعمى أبصارهم ( ( محمد : ٢٣ )، أي هلا تدبروا القرآن عوض شغل بالهم في مجلسك بتتبع أحوال المؤمنين، أو تفريع على قوله :( فأصمّهم وأعمى أبصارهم ). والمعنى : أن الله خلقهم بعقول غير منفعلة بمعاني الخير والصلاح فلا يتدبرون القرآن مع فهمه أو لا يفهمونه عند تلقيه وكلا الأمرين عجيب.
والاستفهام تعجيب من سوء علمهم بالقرآن ومن إعراضهم عن سماعه. وحرف ) أم ( للإضراب الانتقالي. والمعنى : بل على قلوبهم أقفال وهذا الذي سلكه جمهور المفسرين وهو الجاري على كلام سيبويه في قوله تعالى :( أفلا تبصرون أمْ أنا خير من هذا الذي هو مهين في سورة الزخرف ( ٥١، ٥٢ )، خلافاً لما يوهمه أو توهمه ابن هشام في مغني اللبيب ).
والتدبر : التفهم في دُبر الأمر، أي ما يخفى منه وهو مشتق من دبر الشيء، أي خلفه.


الصفحة التالية
Icon