" صفحة رقم ١١٩ "
حين فرُّوا من الجهاد فإن الوجوه مما يقصد بالضرب بالسيوف عند القتال قال الحريش القريعي، أو العباس بن مدراس :
نعرّض للسيوف إذا التقينا
وجوهاً لا تُعرض للنظام
ويضربون أدبارهم التي كانت محل الضرب لو قاتلوا، وهذا تعريض بأنهم لو قاتلوا لفرُّوا فلا يقع الضرب إلا في أدبارهم.
الإشارة بذلك إلى الموت الفظيع الذي دل عليه قوله :( فكيف إذا توفتهم الملائكة ( ( محمد : ٢٧ ) كما تقدم آنفاً. واتباعهم ما أسخط الله : هو اتباعهم الشرك. والسخط مستعار لعدم الرضى بالفعل. وكراهتهم رضوان الله : كراهتهم أسباب رضوانه وهو الإسلام.
وفي ذكر اتباع مَا أسخط الله وكراهة رضوانه محسّن الطباق مرتين للمضادة بين السخط والرضوان، والاتباع والكراهية. والجمع بين الإخبار عنهم باتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه مع إمكان الاجتزاء بأحدهما عن الآخر للإيماء إلى أن ضرب الملائكة وجوه هؤلاء مناسب لإقبالهم على ما أسخط الله، وأن ضربهم أدبارهم مناسب لكراهتهم رضوانه لأن الكراهة تستلزم الإعراض والإدبار، ففي الكلام أيضاً محسن اللف والنشر المرتب. فكان ذلك التعذيب مناسباً لحالَيْ توقيهم في الفرار من القتال وللسببين الباعثين على ذلك التَوقي.
وفرع على اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه قوله :( فأحبط أعمالهم فكان اتباعهم ما أسخط الله وكراهتهم رضوانه سبباً في الأمرين : ضرب الملائكة وجوههم وأدبارهم عند الوفاة، وإحباط أعمالهم.