" صفحة رقم ١٢٥ "
البلو الثاني بالأعمال كلها، وحصل مع ذلك تأكيد البلو تأكيداً لفظياً. وقرأ الجمهور ) ولنبلونكم حتى نعلم ( ) ونبلوَا ( بالنون في الأفعال الثلاثة. وقرأ أبو بكر عن عاصم تلك الأفعال الثلاثة بياء الغيبة والضمائر عائدة إلى اسم الجلالة في قوله :( والله يعلم أعمالكم ). وقرأ الجمهور ) ونبلوَ ( بفتح الواو عطفاً على ) نعلمَ ). وقرأه رويس عن يعقوب بسكون الواو عطفاً على ) ولنبلونكم ).
الظاهر أن المعنيّ بالذين كفروا هنا الذين كفروا المذكورون في أول هذه السورة وفيما بعد من الآيات التي جرى فيها ذكر الكافرين، أي الكفار الصرحاء عاد الكلام إليهم بعد الفراغ من ذكر المنافقين الذين يخفون الكفر، عودا على بدء لتهوين حالهم في نفوس المسلمين، فبعد أن أخبر الله أنه أضل أعمالهم وأنهم اتبعوا الباطل وأمر بضرب رقابهم وأن التعس لهم وحقَّرهم بأنهم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، وأن الله أهلك قرى هي أشد منهم قوة، ثم جرى ذكر المنافقين، بعد ذلك ثُني عنان الكلام إلى الذين كفروا أيضاً ليعرِّف الله المسلمين بأنهم في هذه المآزق التي بينهم وبين المشركين لا يَلحقهم منهم أدنى ضُرّ، وليزيد وصف الذين كفروا بأنهم شاقّوا الرسول ( ﷺ )
فالجملة استئناف ابتدائي وهي توطئة لقوله :( فلا تهنوا وتدْعُوا إلى السلم ( ( محمد : ٣٥ ). وفعل ) شاقُّوا ( مشتق من كلمة شِق بكسر الشين وهو الجانب، والمشاقة المخالفة، كني بالمشاقة عن المخالفة لأن المستقر بشِق مخالف للمستقر بشق آخر فكلاهما مخالف، فلذلك صيغت منه صيغة المفاعلة.
وتبيُّن الهدى لهم : ظهور ما في دعوة الإسلام من الحق الذي تدركه العقول إذا نبهتْ إليه، وظهور أن أمر الإسلام في ازدياد ونماء، وأن أمور الآخرين في إدبار، فلم