" صفحة رقم ١٣٦ "
والضغن : العداوة، وتقدم آنفاً عند قوله ) أن لن يخرج الله أضغانهم ( ( محمد : ٢٩ ). والمعنى : يمنعوا المال ويظهروا العصيان والكراهية، فلطفُ الله بالكثير منهم اقتضى أن لا يسألهم مالاً على وجه الإلزام ثم زال ذلك شيئاً فشيئاً لما تمكن الإيمان من قلوبهم فأوجب الله عليهم الإنفاق في الجهاد.
والضمير المستتر في ) ويخرج ( عائد إلى اسم الجلالة، وجوز أن يعود إلى البخل المأخوذ من قوله :( تبخلوا ( أي من قبيل ) اعدلوا هو أقرب للتقوى ( ( المائدة : ٨ ). وقرأ الجمهور ) يخرج ( بياء تحتية في أوله. وقرأه يعقوب بنون في أوله.
كلام المفسرين من قوله :( ولا يسألْكُم أموالَكم ( إلى قوله :( عن نفسه ( ( محمد : ٣٦ ٣٨ ) يعرب عن حَيرة في مراد الله بهذا الكلام. وقد فسرناه آنفاً بما يشفي وبقي علينا قوله :( ها أنتم هؤلاء تُدْعَوْن لتنفقوا ( الخ كيف موقعه بعد قوله :( ولا يسألكم أموالكم ( فإن الدعوة للإنفاق عين سؤال الأموال فكيف يجمع بين ما هنا وبين قوله آنفاً ) ولا يسألكم أموالكم ).
فيجوز أن يكون المعنى : تُدْعَون لتنفقوا في سبيل الله لتدفعوا أعداءكم عنكم وليس ذلك لينتفع به الله كما قال :( والله الغني وأنتم الفقراء ). ونظم الكلام يقتضي أن هذه دعوة للإنفاق في الحال وليس إعلاماً لهم بأنهم سيدعون للإنفاق فهو طلبٌ حاصل. ويحمل ) تدْعَون ( على معنى تؤمرون أي أمر إيجاب.
ويجوز أن يحمل ) تدعون ( على دعوة الترغيب، فتكون الآية تمهيداً للآيات المقتضية إيجاب الإنفاق في المستقبل مثل آية ) وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ( ( التوبة : ٤١ ) ونحوها، ويجوز أن يكون إعلاماً بأنهم سيدعون إلى الإنفاق في سبيل الله فيما بعد هذا الوقت فيكون المضارع مستعملاً في زمن الاستقبال والمضارع يحتمله في أصْل وضعه.


الصفحة التالية
Icon