" صفحة رقم ١٣٩ "
بالذي هو خير تقدم في سورة البقرة. وإن كان كلا المتعلقين هو في المعنى معوض وعوض باختلاف الاعتبار، ولذلك عدل في هذه الآية عن ذكر المجرور بالباء مع المفعول للإيجاز. والمعنى : يتخذ قوماً غيركم للإيمان والتقوى، وهذا لا يقتضي أن الله لا يوجد قوماً آخرين إلاّ عند ارتداد المخاطبين، بل المراد : أنكم إن ارتددتم عن الدين كان لله قوم من المؤمنين لا يرتدون وكان لله قوم يدخلون في الإيمان ولا يرتدون.
روى الترمذي عن أبي هريرة قال : تَلا رسول الله هذه الآية وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ). قالوا : ومن يُستبدَل بنا ؟ قال : فضرب رسولُ الله ( ﷺ ) على منكب سَلْمان الفارسي ثم قال : هذا وقومُه، هذا وقومه ) قال الترمذي حديث غريب. وفي إسناده مقال. وروى الطبراني في ( الأوسط ) : هذا الحديث على شرطِ مسلم وزاد فيه ( والذي نفسي بيده لو كان الإيمانُ منوطاً بالثريا لتناوله رجال من فارس ).
وأقول هو يدل على أن فارس إذا آمنوا لا يرتدون وهو من دلائل نبوءة النبي ( ﷺ ) فإن العرب ارتد منهم بعض القبائل بعد وفاة النبي ( ﷺ ) وارتدّ البربر بعد فتح بلادهم وإيمانهم ثنتي عشرة مرة فيما حكاه الشيخ أبو محمد ابن أبي زيد، ولم يرتد أهل فارس بعد إيمانهم.
و ) ثم ( للترتيب الرتبي لإفادة الاهتمام بصفة الثبات على الإيمان وعلوّها على مجرد الإيمان، أي ولا يكونوا أمثالكم في التولِّي. والجملة معطوفة ب ( ثم ) على جملة ) يستبدل قوماً غيركم ( فهي في حيّز جواب الشرط والمعطوف على جواب الشرط بحرف من حروف التشريك يجوز جزمه على العطف، ويجوز رفعه على الاستئناف. وقد جاء في هذه الآية على الجزم وجاء في قوله تعالى :( وإن يقاتلوكم يولُّوكم الأدبار ثم لا ينصرون ( ( آل عمران : ١١١ ) على الرفع. وأبدى الفخر وجهاً لإيثار الجزم هنا وإيثار الاستئناف هنالك فقال : وهو مع الجواز فيه تدقيق وهو أن ههنا لا يكون متعلقاً بالتولّي لأنهم إن لم يتولوا يكونون ممن يأتي الله بهم على الطاعة، وإن تولوا لا يكونون مثلهم لكونهم عاصين وكون من يأتي الله بهم