" صفحة رقم ١٤٩ "
بهذا النصر وتشريعاً له بإسناده إلى الاسم الظاهر لصراحة الظاهر والصراحة أدعى إلى السمع، والكلام مع الإظهار أعلق بالذهن كما تقدم في ) ليغفر لك الله ).
هذه الجملة بدل اشتمال من مضمون جملة ) وينصرك الله نصراً عزيزاً ( ( الفتح : ٣ ). وحَصل منها الانتقال إلى ذكر حظ المسلمين من هذا الفتح فإن المؤمنين هم جنود الله الذين قد نصر النبي ( ﷺ ) بهم كما قال تعالى :( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين ( ( الأنفال : ٦٢ ) فكان في ذكر عناية الله بإصلاح نفوسهم وإذهاب خواطر الشيطان عنهم وإلهامهم إلى الحق في ثبات عزمهم، وقرارة إيمانهم تكوين لأسباب نصر النبي ( ﷺ ) والفتح الموعود به ليندفعوا حين يستنفرهم إلى العدوّ بقلوب ثابتة، ألا ترى أن المؤمنين تبلبلت نفوسهم من صلح الحديبية إذ انصرفوا عقبه عن دخول مكة بعد أن جاؤوا للعمرة بعَدد عديد حسبوه لا يغلب، وأنهم إن أرادهم العدوّ بسوء أو صدهم عن قصدهم قابلوه فانتصروا عليه وأنهم يدخلون مكة قسْرا. وقد تكلموا في تسمية ما حلّ بهم يومئذٍ فتحاً كما علمت مما تقدم فلما بين لهم الرسول ( ﷺ ) ما فيه من الخير اطمأنت نفوسهم بعد الاضطراب ورسخ يقينهم بعد خواطر الشك فلولا ذلك الاطمئنان والرسوخ لبقُوا كاسفي البال شديدي البلبال، فذلك الاطمئنان هو الذي سماه الله بالسكينة، وسمّي إحداثه في نفوسهم إنزالاً للسكينة في قلوبهم فكان النصر مشتملاً على أشياء من أهمها إنزال السكينة، وكان إنزال السكينة بالنسبة إلى هذا النصر نظير التأليف بين قلوب المؤمنين مع اختلاف قبائلهم وما كان بينهما من الأمن في الجاهلية بالنسبة للنصر الذي في قوله تعالى :( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم ( ( الأنفال : ٦٢، ٦٣ ).
وإنزالها : إيقاعها في العقل والنفس وخلق أسبابها الجوهرية والعارضة، وأطلق على ذلك الإيقاع فعل الإنزال تشريفاً لذلك الوجدان بأنه كالشيء الذي هو مكان مرتفع فوق الناس فألقي إلى قلوب الناس، وتلك رفعة تخييليه مراد بها شرف ما


الصفحة التالية
Icon