" صفحة رقم ١٦٤ "
الإجمال الذي في قوله :( كان الله بما تعملون خبيراً ( إذ يفيد أنه خبير بكذبهم في الاعتذار فلذلك أبطل اعتذارهم بحرف الإبطال.
وتقديم ) بما تعملون ( على متعلَّقه لقصد الاهتمام بذكر عملهم هذا. وما صْدَق ) ما تعملون ( ما اعتقدوه وما ماهوا به من أسباب تخلفهم عن نفير الرسول وكثيراً ما سمّى القرآن الإعتقاد عملاً. وفي قوله :( وكان بما تعملون خبيراً ( تهديد ووعيد.
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة ) بل كان الله بما تعملون خبيرا ( ( الفتح : ١١ )، أي خبيراً بما علمتم، ومنه ظنكم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون.
وأعيد حرف الإبطال زيادة لتحقيق معنى البدلية كما يكرر العامل في المبدل منه والانقلاب : الرجوع إلى المأوى.
و ) أنْ ( مخففة من ( أنَّ ) المشددة واسمها ضمير الشأن وسدّ المصدر مسدّ مفعولي ) ظننتم (، وجيء بحرف ) لن ( المفيد استمرار النفي. وأكد بقوله :( أبداً ( لأن ظنهم كان قوياً.
والتزيين : التحسين، وهو كناية عن قبول ذلك وإنما جعل ذلك الظن مزيناً في اعتقادهم لأنهم لم يفرضوا غيره من الاحتمال، وهو أن يرجع الرسول ( ﷺ ) سالماً. وهكذا شأن العقول الواهية والنفوسُ الهاوية أن لا تأخذ من الصور التي تتصور بها الحوادث إلا الصورةَ التي تلوح لها في بادىء الرأي. وإنما تلوح لها أول شيء لأنها الصورة المحبوبة ثم يعتريها التزيين في العقل فتلهو عن فرض غيرها فلا تستعد لحَدثانه، ولذلك قيل : حبك الشيء يُعمي ويُصم.
كانوا يقولون بين أقوالهم : إن محمداً ( ﷺ ) وأصحابه أكَلَة بفتحات ثلاث رأس كناية عن القلة، أي يشبعهم رأس بعير لا يرجعون، أي هم قليل بالنسبة لقريش والأحابيش وكنانة، ومن في حلفهم.


الصفحة التالية
Icon