" صفحة رقم ١٧٩ "
واستحقاق المنافقين والمشركين العذابَ، ولتكون السكينة آية للمؤمنين، أي عبرة لهم واستدلالاً على لطف الله بهم وعلى أن وعده لا تأويل فيه.
ومعنى كون السكينة آيةً أنها سبب آية لأنهم لما نزلت السكينة في قلوبهم اطمأنت نفوسهم فخلصت إلى التدبر والاستدلال فبانت لها آيات الله فتأنيث ضمير الفعل لأن معاده السكينة. ويجوز أن يكون معطوفاً على تعليل محذوف يُثَار من الكلام السابق، حذف لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن في تقديره توفيراً للمعنى. والتقدير : فعجّل لكم هذه لِغايات وحِكم ولتكون آية. فهو من ذكر الخاص بعد العام المقدر.
فالتقدير مثلاً : ليحصل التعجيل لكم بنفع عوضاً عما ترقبتموه من منافع قتال المشركين، ولتكون هذه المغانم آية للمؤمنين منكم ومَن يعرِفون بها أنهم من الله بمكان عنايته وأنه مُوففٍ لهم ما وعدهم وضامن لهم نصرهم الموعود كما ضمن لهم المغانم القريبة والنصر القريب. وتلك الآية تزيد المؤمنين قوة إيمان. وضمير ) لتكون ( على هذه راجع إلى قوله :( هذه ( على أنها المعللة. ويجوز أن يكون الضمير للخصال التي دل عليها مجموع قوله :( فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ( فيكون معنى قوله :( ولتكون آية للمؤمنين ( لغايات جمة منها ما ذكر آنفاً ومنها سلامة المسلمين في وقت هم أحوج فيه إلى استبقاء قوتهم مِنْهم إلى قتال المشركين ادخاراً للمستقبل.
وجعل صاحب ( الكشاف ) جملة ) ولتكون آية للمؤمنين ( معترضة، وعليه فالواو اعتراضية غير عاطفة وأن ضمير ) لتكون ( عائداً إلى المرة من فِعل كَف : أي الكَفة.
وعطف عليه ) ويهديكم صراطاً مستقيماً ( وهو حكمة أخرى، أي ليزول بذلك ما خامركم من الكآبة والحزن فتتجرد نفوسكم لإدراك الخير المحض الذي في أمر الصلح وإحالتكم على الوعد فتوقنوا أن ذلك هو الحق فتزدادوا يقيناً. ويجوز أن يكون فعل ) ويهديكم ( مستعملاً في معنى الإدامة على الهدى وهو : الإيمان الحاصل لهم من قبل على حد قوله :( يا أيها الذين آمَنواْ آمِنوا ( ( النساء : ١٣٦ ) على أحد تأويلين.


الصفحة التالية
Icon