" صفحة رقم ١٨٦ "
ولهذا أوثرت مادة الظفر في قوله :( من بعد أن أظفركم عليهم ( دون أن يقال : من بعد أن نصركم عليهم، لأن الظفر هو الفوز بالمطلوب فلا يقتضي وجود قتال فالظفر أعم من النصر، أي من بعد أن أنالكم ما فيه نفعكم وهو هدنة الصلح وأن تعودوا إلى العمرة في العام القابل.
ومناسبة تعريف ذلك المكان بهذه الإضافة الإشارة إلى أن جمع المشركين نزلوا من أرض الحرم المكي إذ نزلوا من جبل التنعيم وهو من الحرم وكانوا أنصاراً لأهل مكة.
ويتعلّق قوله :( من بعد أن أظفركم عليهم ( بفعل ) كف ( باعتبار تعديته إلى المعطوف على مفعوله، أعني :( وأيديكم عنهم ( لأنه هو الكف الذي حصل بعد ظفر المسلمين بفئة المشركين عل حسب تلك الرواية والقرينة ظاهرة من قوله :( من بعد أن أظفركم عليهم ). وهذا إشارة إلى أن كف أيدي بعضهم عن بعض كان للمسلمين إذا مَنُّوا على العدوّ بعد التمكن منه. فعُدي ) أظفركم ( ب ( على ) لتضمينه معنى أيَّدَكُم وإلا فحقه أن يعدى بالباء.
وجملة ) وكان اللَّه بما تعملون بصيراً ( تذييل للتي قبلها، والبصير بمعنى العليم بالمرئيّات، أي عليماً بعملكم حين أحطتم بهم وسُقتموهم إلى النبي ( ﷺ ) تظنون أنكم قاتلوهم أو آسروهم.
وقرأ الجمهور ) تعملون ( بتاء الخطاب. وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة، أي عليماً بما يعملون من انحدارهم على غرة منكم طامعين أن يتمكنوا من أن يغلبوكم وفي كلتا القراءتين اكتفاء، أي كان الله بما تعملون ويعملون بصيرا، أو بما يعملون وتعملون بصيرا، لأن قوله :( كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ( يفيد عملاً لكل فريق، أي علم نواياكم فكفها لحكمة استبقاء قوتكم وحسن سمعتكم بين قبائل العرب وأن لا يجد المشركون ذريعة إلى التظلم منكم بالباطل.


الصفحة التالية
Icon