" صفحة رقم ١٩٤ "
وضمير ) جعل ( يجوز أن يكون عائداً إلى اسم الجلالة في قوله :( ليدخل الله في رحمته ( ( الفتح : ٢٥ ) من قوله :( لعذبنا الذين كفروا ( ( الفتح : ٢٥ ) والعدول عن ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة التفات.
و ) الذين كفروا ( مفعول أول ل ) جعل ). و ) الحمية ( بدل اشتمال من ) الذين كفروا (، و ) في قلوبهم ( في محل المفعول الثاني ل ) جعل (، أي تخلّقُوا بالحمية فهي دافعة بهم إلى أفعالهم لا يراعون مصلحة ولا مفسدة فكذلك حين صدّوكم عن المسجد الحرام.
و ) في قلوبهم ( متعلق ب ) جعل (، أي وضع الحمية في قلوبهم.
وقوله :( حمية الجاهلية ( عطف بيان للحمية قُصد من إجماله ثم تفصيله تقريرُ مدلوله وتأكيده مَا يحصل لو قال :( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم حميةَ الجاهلية ).
وإضافة الحمية إلى الجاهلية لقصد تحقيرها وتشنيعها فإنها من خلق أهل الجاهلية فإن ذلك انتساب ذم في اصطلاح القرآن كقوله :( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ( ( آل عمران : ١٥٤ ) وقوله :( أفحكم الجاهلية يبغون ( ( المائدة : ٥٠ ).
ويعكس ذلك إضافة السكينة إلى ضمير الله تعالى إضافة تشريف لأن السكينة من الأخلاق الفاضلة فهي موهبة إلهاية.
وتفريع ) فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين (، على ) إذ جعل الذين كفروا (، يؤذن بأن المؤمنين ودُّوا أن يقاتلوا المشركين وأن يدخُلوا مكة للعمرة عنوة غضباً من صدّهم عنها ولكن الله أنزل عليهم السكينة.
والمراد بالسكينة : الثبات والأناة، أي جعل في قلوبهم التأنّي وصرف عنهم العجْلة، فعصمهم من مقابلة الحَمِية بالغضب والانتقاممِ فقابلوا الحمية بالتعقل والتثبت فكان في ذلك خير كثير.


الصفحة التالية
Icon