" صفحة رقم ١٩٩ "
والحق : الغرض الصحيح والحكمة، أي كانت رؤيا صادقة وكانت مَجْعُولة محكمة وهي ما قدمناه آنفاً.
وجملة ) لتدخلن المسجد الحرام ( إلى آخرها يجوز أن يكون بياناً لجملة ) صدق اللَّه ( لأن معنى ) لتدخلن ( تحقيق دخول المسجد الحرام في المستقبل فيعلم منه أن الرؤيا إخبار بدخول لم يعين زمنه فهي صادقة فيما يتحقق في المستقبل. وهذا تنبيه للذين لم يتفطنوا لذلك فجزموا بأن رؤيا دخول المسجد تقتضي دخولهم إليه أيامئذٍ وما ذلك بمفهوم من الرؤيا وكان حقهم أن يعلموا أنها وعد لم يعين إبان موعوده وقد فهم ذلك أبو بكر إذ قال لهم : إن المنام لم يكن موقتاً بوقت وأنه سيدخل. وقد جاء في سورة يوسف ) وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل. وليست هذه الجملة بياناً للرؤيا لأن صيغة القسم لا تلائم ذلك.
والأحسن أن تكون جملة لتدخلن المسجد الحرام ( استئنافاً بيانياً عن جملة ) صدق اللَّه رسوله ( أي سيكون ذلك في المستقبل لا محالة فينبغي الوقف عند قوله :( بالحق ( ليظهر معنى الاستئناف.
وقوله :( إن شاء اللَّه ( من شأنه أن يذيل به الخبر المستقبل إذا كان حصوله متراخياً، ألا ترى أن الذي يقال له : افعل كذا، فيقول : أفعل إن شاء الله، لا يفهم من كلامه أنه يفعل في الحال أو في المستقبل القريب بل يفعله بعد زمن ولكن مع تحقيق أنه يفعله.
ولذلك تأولوا قوله تعالى في سورة يوسف ) وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين أنّ إن شاء اللَّه ( للدخول مع تقدير الأمن لأنه قال ذلك حين قد دخلوا مصر. أما ما في هذه الآية فهو من كلام الله فلا يناسبه هذا المحمل. وليس المقصود منه التنصل من التزام الوعد، وهذا من استعمالات كلمة ) إن شاء اللَّه ). فليس هو مثل استعمالها في اليمين فإنها حينئذٍ للثُّنْيا لأنها في موضع قولهم : إلا أن يشاء الله، لأن معنى : إلا أن يشاء الله : عدم الفعل، وأما إن شاء الله، التي تقع موقع : إلا أن يشاء الله، فمعناه إن شاء الله الفعلَ.


الصفحة التالية
Icon