" صفحة رقم ٢١٨ "
وإنما قدم هذا على توبيخ الذين نادوا النبي لأن هذا أولى بالاعتناء إذ هو تأديب من هو أولى بالتهذيب.
وقرأه الجمهور تقدموا ( بضم الفوقية وكسر الدال مشددة. وقرأه يعقوب بفتحهما على أن أصله : لا تتقدموا. وقال فخر الدين عند الكلام على قوله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنَبإ فتبيّنوا ( ( الحجرات : ٦ ) في هذه السورة : إن فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق وهي : إما مع الله أو مع رسوله ( ﷺ ) أو مع غيرهما من أبناء الجنس وهم على صنفين لأنهم : إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين من الطاعة، وإمّا أن يكونوا خارجين عنها بالفسق ؛ والداخل في طريقتهم : إما حاضر عندهم، أو غائب عنهم، فذكر الله في هذه السورة خمس مرات ) يا أيها الذين آمنوا ( وأرشد بعد كل مرة إلى مكرمة من قسم من الأقسام الخمسة.
فقال أولاً :( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بي يدي اللَّه ورسوله ( وهي تشمل طاعة الله تعالى، وذُكر الرسول معه للإشارة إلى أن طاعة الله لا تعلم إلا بقول الرسول فهذه طاعة للرسول تابعة لطاعة الله. وقال ثانياً :( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( ( الحجرات : ٢ ) لبيان الأدب مع النبي ( ﷺ ) لذاته في باب حسن المعاملة. وقال ثالثاً :( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ ( الآية للتنبيه على طريقة سلوك المؤمنين في معاملة من يعرف بالخروج عن طريقتهم وهي طريقة الاحتراز منه لأن عمله إفساد في جماعتهم، وأعقبه بآية ) وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( ( الحجرات : ٩ ). وقال رابعاً ) يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ( ( الحجرات : ١١ ) إلى قوله :( فأولئك هم الظالمون ( ( البقرة : ٢٢٩ ) فنهى عما يكثر عدم الاحتفاظ فيه من المعاملات اللسانية التي قلّما يقام لها وزن. وقال خامساً :( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إلى قوله : تواب رحيم ( ( الحجرات : ١٢ ) اه.
ويريد : أن الله ذكر مثالاً من كل صنف من أصناف مكارم الأخلاق بحسب ما