" صفحة رقم ٢٣١ "
تصرفات ولاة الأمور وفي تعامل الناس بعضهم مع بعض من عدم الإصغاء إلى كل ما يروى ويخبر به.
والخطاب ب ) يا أيها الذين آمنوا ( مراد به النبي ( ﷺ ) ومن معه ويشمل الوليد بن عقبة إذ صدق من أخبره بأن بني المصطلق يريد له سوءاً ومن يأتي من حكام المؤمنين وأمرائهم لأن المقصود منه تشريع تعديل من لا يعرف بالصدق والعدالة. ومجيء حرف ) إن ( في هذا الشرط يومىء إلى أنه مما ينبغي أن لا يقع إلا نادراً.
والتبين : قوة الإبانة وهو متعد إلى مفعول بمعنى أبان، أي تأملوا وأبينوا. والمفعول محذوف دل عليه قوله بنبإ أي تبينوا ما جاء به وإبانة كل شيء بحسبها. والأمر بالتبيّن أصل عظيم في وجوب التثبت في القضاء وأن لا يتتبع الحاكم القيل والقال ولا ينصاع إلى الجولان في الخواطر من الظنون والأوهام.
ومعنى ) فتبينوا ( تبينوا الحق، أي من غير جهة ذلك الفاسق. فخبر الفاسق يكون داعياً إلى التتبع والتثبت يصلح لأن يكون مستنداً للحكم بحال من الأحوال وقد قال عمر بن الخطاب ( لا يؤسر أحد في الإسلام بغير العدول ).
وإنما كان الفاسق معرَّضاً خبره للريبة والاختلاق لأن الفاسق ضعيف الوازع الديني في نفسه، وضعف الوازع يجرئه على الاستخفاف بالمحظور وبما يخبر به في شهادة أو خَبَر يترتب عليهما إضرار بالغير أو بالصالح العام ويقوي جُرأته على ذلك دوماً إذا لم يتب ويندم على ما صدر منه ويقلع عن مثله.
والإشراك أشد في ذلك الاجتراء لقلة مراعاة الوازع في أصول الإشراك. وتنكير ) فاسق (، و ) نَبإ (، في سياق الشرط يفيد العموم في الفساق بأي فسق اتصفوا، وفي الأنباء كيف كانت، كأنه قيل : أيّ فاسق جاءكم بأيّ نبَإ فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشافه.
وقرأ الجمهور ) فتبينوا ( بفوقية فموحدة فتحتية فنون من التبيّن، وقرأ حمزة والكسائي وخلَف فتثبتوا بفوقية فمُثلثَة فموحدة ففوقية من التثبت. والتبيّن : تطلب البيان وهو ظهور الأمر، والتثبت التحري وتطلب الثبات وهو الصدق.