" صفحة رقم ٢٣٩ "
وعن قتاده والسدي : أنها نزلت في فتنة بين الأوس والخزرج بسبب خصومة بين رجل وامرأته أحدهما من الأوس والآخر من الخزرج انتصر لكل منهما قومه حتى تدافعوا وتناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال والعصيّ فنزلت الآية فجاء النبي ( ﷺ ) فأصلح بينهما وهذا أظهر من الرواية الأولى فكانت حكماً عاماً نزل في سبب خاص.
و ) إنْ ( حرف شرط يُخلّص الماضي للاستقبال فيكون في قوة المضارع وارتفع ) طائفتان ( بفعل مقدر يفسره قوله :( اقتتلوا ( للاهتمام بالفاعل. وإنما عدل عن المضارع بعد كونه الأليق بالشرط لأنه لما أريد تقديم الفاعل على فعله للاهتمام بالمسند إليه جعل الفعل ماضياً على طريقة الكلام الفصيح في مثله مما أولِيَت فيه ) إنْ ( الشرطية الاسم نحو ) وإن أحد من المشركين استجارك ( ( التوبة : ٦ )، ) وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً ( ( النساء : ١٢٨ ). قال الرضي ( وحق الفعل الذي يكون بعد الاسم الذي يلي ( إنْ ) أن يكون ماضياً وقد يكون مضارعاً على الشذوذ وإنما ضعف مجيء المضارع لحصول الفصل بين الجازم وبين معموله ). ويعود ضمير ) اقتتلوا ( على ) طائفتان ( باعتبار المعنى لأن طائفة ذات جمع، والطائفة الجماعة. وتقدم عند قوله تعالى :( فلتقم طائفة منهم معك في سورة النساء.
والوجه أن يكون فعل اقتتلوا ( مستعملاً في إرادة الوقوع مثل ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ( ( المائدة : ٦ ) ومثل ) والذين يظّاهرون من نسائهم ثم يَعُودون لما قالوا ( ( المجادلة : ٣ )، أي يريدون العود لأن الأمر بالإصلاح بينهما واجب قبل الشروع في الاقتتال وذلك عند ظهور بوادره وهو أولى من انتظار وقوع الاقتتال ليمكن تدارك الخطب قبل وقوعه على معنى قوله تعالى :( وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصَّلحا بينهما صلحاً ( ( النساء : ١٢٨ ).
وبذلك يظهر وجه تفريع قوله :( فإن بغت إحداهما على الأخرى ( على جملة ) اقتتلوا (، أي فإن ابتدأتْ إحدى الطائفتين قتال الأخرى ولم تنصع إلى الإصلاح فقاتلوا الباغية.