" صفحة رقم ٢٤١ "
وقد اعترف الجميع بأن معاوية وأصحابه كانوا مدافعين عن نظر اجتهادي مخطىء، وكان الواجب يقضى على جماعة من المسلمين الدعاء إلى الصلح بين الفريقين حسب أمر القرآن وجوب الكفاية فقد قيل : إن ذلك وقع التداعي إليه ولم يتم لانتقاض الحَرورية على أمر التحكيم فقالوا : لا حكم إلا لله ولا نحكم الرجال.
وقيل : كيدت مكيدة بين الحَكَمين، والأخبار في ذلك مضطربة على اختلاف المتصدين لحكاية القضية من المؤرخين أصحاب الأهواء. والله أعلم بالضمائر.
وسئل الحسن البصري عن القتال بين الصحابة فقال : شهد أصحاب محمد وغبنا وعلموا وجهلنا. وقال المُحاسبي : تَعلّم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه مِنّا.
والأمر في قوله :( فقاتلوا التي تبغي ( للوجوب، لأن هذا حُكم بين الخصمين والقضاء بالحق واجب لأنه لحفظ حق المحق، ولأن ترك قتال الباغية يجرّ إلى استرسالها في البغي وإضاعة حقوق المبغي عليها في الأنفس والأحوال والأغراض والله لا يحب الفساد، ولأن ذلك يجرىء غيرها على أن تأتي مثل صَنيعها فمقاتلها زجر لغيرها. وهو وجوب كفاية ويتعين بتعيين الإمام جيشاً يوجهه لقتالها إذ لا يجوز أن يلي قتال البغاة إلا الأيمة والخلفاء. فإذا اختلّ أمر الإمامة فليتولَّ قتال البغاة السوادُ الأعظم من الأمة وعلماؤها. فهذا الوجوب مطلق في الأحوال تقيده الأدلة الدالة على عدم المصير إليه إذا علم أن قتالها يجرّ إلى فتنة أشد من بغيها. وقد تلتبس الباغية من الطائفتين المتقاتلتين فإن أسباب التقاتل قد تتولد من أمور لا يُؤْبَهُ بها في أول الأمر ثم تثور الثائرة ويتجالد الفريقان فلا يضبط أمر الباغي منهما، فالإصلاح بينهما يزيل اللبس فإن امتنعت إحداهما تعين البغي في جانبها لأن للإمام والقاضي أن يجبر على الصلح إذا خشي الفتنة ورأى بوارقها، وذلك بعد أن تُبيَّن لكلتا الطائفتين شبهتها إن كانت لها شبهة وَتُزال بالحجة الواضحة والبراهين القاطعة ومن يَأْب منهما فهو أعق وأظلم.