" صفحة رقم ٢٤٧ "
والسَّخر، ويقال السخرية : الاستهزاء، وتقدم في قوله :( فيسخرون منهم في سورة براءة، وتقدم وجه تعديته ب ( من ).
والقوم : اسم جمع : جماعة الرجال خاصة دون النساء، قال زهير :
وما أدري وسوف أخال أدري
أقوم آلُ حصن أم نساء ؟
وتنكير قوم ( في الموضعين لإفادة الشياع، لئلا يتوهم نهي قوم معينين سخروا من قوم معينين. وإنما أسند ) يسخر ( إلى ) قوم ( دون أن يقول : لا يسخر بعضُكم من بعض كما قال :( ولا يغتب بعضكم بعضاً ( ( الحجرات : ١٢ ) للنهي عما كان شائعاً بين العرب من سخرية القبائل بعضها من بعض فوجّه النهي إلى الأقوام. ولهذا أيضاً لم يقل : لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة. ويفهم منه النهي عن أن يسخر أحد من أحد بطريق لحن الخطاب. وهذا النهي صريح في التحريم.
وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكلام، كما يشمل لفظُ ) المؤمنين ( المؤمنات في اصطلاح القرآن بقرينة مقام التشريع، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به دفعاً لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ كان الاستسخار متأصلاً في النساء، فلأجل دفع التوهم الناشىء من هذين السيئين على نحو ما تقدم في قوله من آية القصاص ) والأنثى بالأنثى في سورة العقود.
وجملة عسى أن يكونوا خيراً منهم ( مستأنفة معترضة بين الجملتين المتعاطفتين تفيد المبالغة في النهي عن السخرية بذكر حالة يكثر وجودها في المسخُورية، فتكون سخرية الساخر أفظع من الساخر، ولأنه يثير انفعال الحياء في نفس الساخرة بينه وبين نفسه. وليست جملة ) عسى أن يكونوا خيراً منهم ( صفةً لقوم من قومه :( من قوم ( وإلا لصار النهي عن السخرية خاصاً بما إذا كان المسخور به مظنة أنه خير من الساخر، وكذلك القول في جملة ) عسى أن يكُنَّ خيراً منهنّ ( وليست صفة ل ) نسَاء ( من قوله :( من نسَاء ).